من الحدود البيلاروسية البولندية إلى شمال فرنسا.. “لا شيء سيمنعني من الوصول إلى بريطانيا”
خلال الأسابيع الماضية، عاش الشاب العراقي عايش أكبر أزمتين هجرة شهدهما الاتحاد الأوروبي هذا العام، وبعد أن تمكن من عبور الحدود البيلاروسية البولندية، وصل أخيرا إلى شمال فرنسا. ومن سواحل كاليه، ينوي الشاب العشريني إكمال طريقه إلى بريطانيا عبر بحر المانش، الذي ابتلع أرواح 27 شخصا الأسبوع الماضي مولدا أزمة دبلوماسية بين فرنسا والمملكة المتحدة.
فوق أرض ترابية نُصبت خيام قماشية تؤوي مئات الرجال والنساء والأطفال، المغامرين بحياتهم من أجل الوصول إلى المملكة المتحدة. على كرسي بلاستيكي أبيض يجلس عايش إلى جانب خيمته فيما يشعل أصدقاؤه نيران تكسر برودة جو مدينة غراند سانت شمال فرنسا.
بالقرب من سواحل دونكيرك يعيش الشاب . العراقي منذ عشرة أيام، مصمما على عبور بحر المانش الذي ابتلع أرواح 27 شخصا على الأقل الأسبوع الماضي، لكنه يحاول طرد أي فكرة تجعله يخشى أن يلقى مصيرا مماثلا أو تثبط من عزيمته.
“أمامي خيارين لا ثالث لهما، إما الموت أو الوصول إلى بريطانيا”، يقول الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاما، “كنت على الحدود البيلاروسية البولندية وتمكنت من النجاة هناك، ولا شيء سيمنعني من الوصول إلى بريطانيا”.
“لا تزال عائلتي عالقة في بيلاروسيا”
باحثا عن حياة ومستقبل أفضل، غادر الشاب مدينته كركوك في كردستان العراق وتوجه إلى تركيا، ومن هناك ركب الطائرة إلى بيلاروسيا، “تركت مدينتي برفقة أبي وأمي وأختي الأصغر ذات الـ17 عاما، وذهبنا إلى مينسك بعدما سمعنا أنه بإمكاننا الذهاب من هناك إلى أوروبا”.
منذ البداية، كانت المملكة المتحدة الهدف بالنسبة إلى هذه العائلة، “قررنا الهجرة إلى بريطانيا للحاق بأخي الأكبر سنا الذي يعيش هناك منذ سنوات عدة”، لكن العائلة التي أرادت أن تلم شملها تفرقت من جديد. “لم يستطع والداي إكمال الطريق لكبر سنهما، ولا يزالان برفقة أختي، عالقين على الجانب البيلاروسي في المخيمات الحدودية. أتصل بهم يوميا عبر الهاتف، الأوضاع هناك مزرية وأنا خائف عليهم”.
الشاب العشريني تمكن من عبور الحدود إلى بولندا وحيدا، “كان عليّ السير لساعات وأيام في الغابات وتمكنت أخيرا من الوصول إلى بولندا”. نجحت خطة الشاب في عبور الحدود لكن ذلك كان عبر مهرب كلّفه الكثير، “كنت أودعت مبلغ 7 آلاف جنيه أسترليني (8,200 يورو) في مكتب للمهرب في كردستان العراق، مقابل إيصالي إلى ألمانيا”.
عاش الشاب أزمة الحدود البيلاروسية البولندية، وخاطر بحياته لعبور المنطقة التي سجلت وفاة أكثر من عشرة أشخاص، أغلبهم ماتوا في الغابات أو المستنقعات إثر انخفاض حاد في درجات حرارة أجسادهم. لكنه ورغم تمكنه من تجاوز تلك المنطقة، وجد نفسه في مواجهة الموت من جديد.
إما أن أصل إلى بريطانيا أو أموت
من ألمانيا توجه الشاب إلى شمال فرنسا بهدف الوصول إلى المملكة المتحدة، “عبور بحر الماش خطير للغاية وأنا أعلم ذلك، وحاولت عبور القناة الإنكليزية ثلاث مرات خلال الأيام العشر الماضية. لكن حياتي 50/50 إما أن أصل إلى بريطانيا أو أموت”.
يقول الشاب إن لا خيار أمامه سوى ركوب البحر، “عبور المانش على متن قارب يكلف نحو 3 آلاف يورو ويدّعي مهربون آخرون أنه إذا دفعت المزيد ستكون الرحلة على متن قارب ذو جودة أفضل، لكن لا نستطيع التأكد من ذلك حقا. أما بالنسبة للشاحنات فهي ليست خيارا مطروحا، أنا لا أستطيع دفع 7 آلاف يورو”.
لطالما كانت منطقة شمال فرنسا نقطة عبور للمهاجرين الراغبين في الوصول إلى المملكة المتحدة، وكان معظمهم يختبئ في شاحنات تجارية تعبر القناة الإنكليزية، لكن مع تشديد المراقبة ووضع أسوار حول معظم طرق مدينة كاليه الساحلية، باتت هذه الطريقة أكثر صعوبة وتكلفة. ومنذ العام 2018 تضاعفت محاولات عبور المانش، وبحسب السلطات الفرنسية، حاول 31,500 شخص المغادرة إلى بريطانيا منذ بداية العام الجاري، وأُنقذ 7,800 شخص في البحر، وهو رقم تضاعف منذ آب/أغسطس الماضي.
على رغم الحديث المستمر عن خطورة العبور، يُصّر الشاب على إكمال طريقه معتبرا أن فرنسا لا توفر له سكنا ملائما وأن الحياة في بريطانيا برفقة أخيه ستكون أفضل، “حتى الشرطة الفرنسية لا تريدنا أن نبقى هنا. في آخر محاولة عبور، صادفتنا الشرطة على أحد الشواطئ القريبة أثناء تجهيزنا القارب، قال لنا أحد الضباط إنه علينا المغادرة خلال أقل من ساعة، وتركنا ننفذ خطتنا دون أن يمنعنا”.
بعد حادثة الغرق الأخيرة والأكثر دموية في بحر المانش، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس إن المشكلة بحاجة إلى “معالجة على المستويين الحكومي الدولي والأوروبي”. فيما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الجهود الفرنسية “لم تكن كافية”. وبينما تعاونت باريس ولندن منذ عقود في ملف الهجرة، باتت العلاقات الثنائية أكثر توترا منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.