لاجئة فلسطينية في فرنسا: “الآن أستطيع أن أخطط لمستقبلي بشكل طبيعي”
هند* لاجئة فلسطينية في فرنسا، شقت طريقها بصعوبة للوصول إلى ما تسميه “حياة مستقرة”. تواصلت الشابة العشرينية مع مهاجر نيوز، وروت قصتها منذ خروجها من قطاع غزة، مروراً بطلب اللجوء، حتى بدأت تخطط لحياتها بشكل “طبيعي”.
أتيت إلى فرنسا قبل عامين قادمة من غزة، في فلسطين، وذلك ضمن برنامج لتبادل الطلاب. وقضيت عامي الأول في إحدى مدن جنوب فرنسا.
خلال ذلك العام، بدأت أستفسر عن سبل للبقاء هنا، فقرار العودة إلى غزة أشبه بالعودة إلى السجن.
نصحني كثير من الزملاء والأصدقاء بطلب اللجوء، فحقيقة أنني فتاة قادمة من مجتمع يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بالإضافة إلى انعدام الأمان ومحدودية الأفق، كلها تفاصيل ساهمت في حصولي على اللجوء هنا.
لم يكن سهلاً أبداً أن أخبر عائلتي بقراري، فحصولي على اللجوء يعني أنني لن أعود إلى غزة، ولن أراهم في المستقبل القريب. أمي لم تتردد في التعبير عن خوفها من تبعات هذا القرار، خاصة عندما علمتْ أنها لن تراني بسهولة في المستقبل. أما أبي، فقال لي إنه يثق بي، وشجعني على القرار.
لا زلت عالقة في الذكريات الصعبة لطلب اللجوء
عندما أتذكر مراحل طلب اللجوء، أشعر بأنني لا زلت عالقة في تفاصيلها. فكتابة قصة اللجوء، وذكر دوافع وأسباب طلب اللجوء، والتطرق لأدق التفاصيل المتعلقة بمعاناتي اليومية في غزة، كلها خطوات لا بد من المرور بها.
في ذلك الوقت، كل ما كنت أفكر به هو الحصول على اللجوء، لم أتخيل أن كل هذه التفاصيل ستتحول إلى مشاعر من تأنيب الذات والمساءلة المستمرة، لا سيما عندما أتذكر مقابلتي مع المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا)، والتفاصيل التي ذكرتها، خاصة تلك المتعلقة بعائلتي وبالسلطات في غزة. تم طرح أسئلة دقيقة جداً عن حياتي، وأسباب طلب اللجوء، عن علاقتي بأفراد أسرتي، وعن تعرضي للعنف أو الاضطهاد منهم أو من المجتمع. كنت مضطرة للإجابة، وكان قد فات الأوان على أن أغيّر قراري.
لكن ولأكون صادقة، تنفست الصعداء عندما استلمت قرار حصولي على اللجوء. كانت تستضيفني عائلة فرنسية في ذلك الوقت، وكنا ننتظر البريد بكثير من التشوق والخوف. وبمجرد أن قرأت القرار الإيجابي، شعرت بأنني حرة، وأن مستقبلي بات واضحاً أمامي، دون خوف أو قلق، ودون انعدام للأمن أو الأمل.
الانتقال إلى باريس وبدء صفحة جديدة
قررت بعد ذلك الانتقال للعيش في باريس، خاصة بعد حصولي على تسجيل جامعي لإتمام دراسة الماجستير في العلوم السياسية. هذه خطوة لم أكن أحلم بها مسبقاً، وتحقيقها لا يتعلق فقط بأحلامي الشخصية، بل أيضاً بأحلام عائلتي البسيطة في غزة. كأسرة، قررنا أننا سنفترق، وأنني لن أراهم بسهولة، وكان علي أن أثبت لهم أن هذا القرار له إيجابيات كثيرة، وبالتأكيد حصولي على الماجستير سيثبت لهم ذلك.
وعلى الجانب الآخر، البقاء في فرنسا له سلبيات كثيرة، فالشعور بالوحدة وإيقاع الحياة السريع، ووجوب العمل طوال الوقت من أجل تحسين ظروف الحياة، كلها أجزاء بسيطة من المشاعر التي يمر بها كل مغترب. في حالتي، سئمت من مكالمات الفيديو مع عائلتي، ومن محاولة إخفاء مشاعري الحقيقية، وإضفاء طابع إيجابي على حياتي في كل مرة أتواصل فيها مع عائلتي حتى لا يقلقوا علي.
لكن للأسف لا خيار أمامنا سوى الحفاظ على تواصلنا بهذه الوسائل. أولويتي حالياً هي دراستي، بالإضافة إلى توسيع دائرتي الاجتماعية والاندماج بشكل أفضل. وبمجرد تخرجي، سأفكر في خياراتي ما بين استكمال دراساتي العليا أو البحث عن عمل. لكنني أشعر بالاستقرار والأمان الكافيين للتفكير بمستقبلي بشكل طبيعي وصحي، على الرغم من اشتياقي لعائلتي وبلدي.