لاجئ سوري : حتى الآن لم أشعر أنني في أوروبا…كأنني ما زلت في الغوطة الشرقية
حسان*، طالب لجوء سوري في فرنسا.في 2020 تحدث حسان عن رحلة هجرته من سوريا إلى فرنسا، وأبرز المصاعب والعقبات التي واجهته خلال تلك الرحلة.
أنا حسان* من مدينة دوما في ريف دمشق، متزوج ولدي طفل عمره 5 سنوات. شاركت في الثورة السورية من بدايتها كناشط وأحد أعضاء تنسيقية مدينة دوما الإعلامية.
في بداية 2013، ساهمت بتأسيس مكتب لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا مع المحامية رزان زيتونة، وأعددت العديد من التقارير الحقوقية ،تعرضت للتهديد من قبل جبهة النصرة والنظام السوري ، بسبب أنشطتي في توثيق التهجير القسري.
حينها اضطررت للخروج مع عائلتي إلى شمال سوريا، بسبب حصار وقصف قوات النظام العنيف للمنطقة، إضافة لتعرضي للتهديد بالقتل من قبل فصائل إرهابية. هذا الوضع حول الغوطة الشرقية إلى منطقة معزولة تماما عن العالم الخارجي، قطعت الكهرباء والاتصالات والإنترنت، فضلا عن منع قوات النظام دخول المواد الطبية والإغاثية إلى الغوطة الشرقية.
بقيت في شمال سوريا حتى نهاية فبراير 2019، عشت أياما صعبة،
إلى فرنسا
ساعدتني منظمة مراسلون بلا حدود على الدخول إلى تركيا في بداية مارس 2019، حيث تواصلت مباشرة مع القنصلية الفرنسية في إسطنبول. تحدد موعد المقابلة بشكل سريع، ومن ثم استلمت التأشيرة ووصلت إلى فرنسا بتاريخ 25 نيسان/أبريل.
في فرنسا، أرسلتنا السلطات إلى إحدى القرى في الجنوب بتاريخ 16 تموز/يوليو (نتحفظ على اسم القرية حفاظا على سرية هوية الشاهد). تم وضعنا في منزل قديم مع عائلة أخرى من غينيا.
المنزل يحتاج لكثير من الصيانة، كنظام التدفئة مثلا، خاصة وأن القرية باردة جدا في الشتاء وتصل الحرارة فيها إلى 10 تحت الصفر.
القرية معزولة تماما، فهي تقع في منطقة غابات وجبال وتفتقر للخدمات الأساسية المفترض تواجدها في أي قرية مسكونة. مثلا، لا يوجد في القرية مستوصف أو مستشفى، وإذا تعرض أحد سكان القرية من اللاجئين لأي طارئ صحي، تحتاج سيارة الإسعاف إلى 40 دقيقة للوصول للقرية، وساعة كاملة للوصول إلى أقرب مستشفى.
التسوق على بعد 30 كلم
يتم تنظيم رحلتان شهريا لمدينتين صغيرتين للذهاب للتسوق. نسجل أسماءنا لدى “كادا ” قبل موعد الرحلة بأسبوع لحجز مقعد في الحافلة. خلال رحلة التسوق، تنتدب كل عائلة شخصا واحدا فقط للذهاب.
نضطر لانتظار الحافلة لتعود وتقلنا عند الخامسة مساء، بعد أن ننتهي من التسوق، في العراء. حسان، طالب لجوء سوري في فرنسا
المواعيد / الانطلاق عند الساعة التاسعة صباحا، نتجمع في ساحة القرية أمام مكتب البلدية بانتظار الحافلة. وبعد أن نصل إلى القرية المحددة وشراء حاجياتنا، نعود وننتظر الموظف مرة أخرى ليأتي ويقلنا عند الساعة الخامسة مساء.
نضطر لانتظار الحافلة لتعود وتقلنا عند الخامسة مساء، بعد أن ننتهي من التسوق، في العراء.
أما لمن يحتاجون مراجعة طبيب، تقوم “كادا” أيضا بحجز مواعيد الطبابة. وهنا علي أن أذكر أنه لا يوجد أي احترام لخصوصية المرضى، خاصة النساء. فالمواعيد يتم حجزها في نفس اليوم، ويتم اصطحاب المرضى سوية للمستشفى أو الطبيب، لا يوجد أي احترام لخصوصية وإنسانية طالبي اللجوء في هذه القرية.
الإجراءات البطيئة
حتى الآن لم أحصل على موعد مقابلة ” لإقامة اللجوء”، لست وحدي، ولكن هناك عدد من طالبي اللجوء هنا لم يحصلوا على موعد مقابلة. هذا الأمر ليس موجودا في بقية المقاطعات والمدن الفرنسية، أعرف ذلك من خلال أصدقائي الذين وصلوا بنفس تاريخ وصولي إلى فرنسا أو بعده، وحصلوا على مقابلة اللجوء وينتظرون قرار “أوفبرا “.
اسمحوا لي أن أشارككم هذه الحادثة التي حصلت معي، منذ أن وصلت وعائلتي إلى هذه القرية، بدأنا نعاني جميعا من اضطرابات نفسية سببها العزلة. نقضي كامل وقتنا داخل المنزل، لا نستطيع الخروج لأن الجو بارد جدا. بدأ فصل الشتاء في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تساقطت الثلوج، زاد الضغط النفسي بسبب المنزل السيء، الرطوبة تسربت إلى جدران الغرفة التي ننام فيها وأيضا غرفة ابني الصغير.
، طلبت من الجمعية تغيير المنزل لكنهم لم يستجيبوا لذلك وأيضا طلبت منهم إصلاح الأعطال الكثيرة لكنهم لم يستجيبوا.
المراجعات الطبية مع ممرضات ثم يتم تحويلك لطبيب ربما بعد أسبوع أو اكثر ، طلبت موعدا مع طبيب نفسي عبر المسؤولة الاجتماعية. تم حجز موعد مع المركز النفسي في إحدى القرى المجاورة. دخلت المركز واستقبلتني موظفة عرفت بنفسها أنها أخصائية تربوية!!،
وقالت لي أن هذه الجلسة هي للتعارف ولتعرف أكثر عن مشكلتي. تكلمت باختصار عن مشاكلي النفسية الكثيرة وخاصة عن فترة وجودي في سوريا والأثر النفسي الكبير الذي أعاني منه حتى الآن، وتكلمت أيضا عن مشاكل القرية التي أعيش فيها وعن مشكلة السكن. انتهى اللقاء وأخبرتني الموظفة أنها ستتكلم مع المركز الطبي النفسي لتطلب منهم موعدا أخر معي لأتكلم عن مشكلتي أكثر.
مضى أسبوعين على المقابلة ولم أتلق اتصال من مركز العلاج . ذهبت لأستفسر عن الأمر فأخبرتني المساعدة الاجتماعية أن مديرة الجمعية رفضت حجز موعد ثان لي مع الأخصائية التربوية، وأن مركز اللجوء لن تدفع للمترجم مرة ثانية بحجة أنني تكلمت عن مشاكل السكن والقرية ، وهذا ليس له علاقة بالمرض النفسي لصدمات الحروب، وهذا لم يعجب مديرة الجمعية.
موقف آخر، اعترض أحد اللاجئين على المنزل السيئ الذي يقيم فيه، فهو قديم ويحتاج للكثير من التصليحات. فقالت له المسؤولة الاجتماعية حينها “ببلدك كان عندك بيت”؟.
حتى الآن لم أشعر أنني في فرنسا، بلد الحريات والمساواة. هنا أتعرض لظروف صعبة للغاية، توازي ما تعرضت له سابقا في سوريا، باستثناء الخوف الأمني والخوف من القصف.
هذه القرية هي سجن كبير، تذكرني بحياتي في الغوطة الشرقية أيام الحصار الخانق.
أناشد المهتمين بشؤون اللاجئين إنقاذي وعائلتي من هذا السجن.