
مهاجرون رحّلوا من السويد وألمانيا يتحدثون عن مرارة العودة !
سياسات الترحيل الأوروبية تطال آلاف العراقيين… والوجهة التالية: السويد
مع تشديد سياسات الهجرة في أوروبا بفعل تصاعد التيارات اليمينية المتشددة، لم تعد القارة العجوز كما كانت في مخيلة المهاجرين، بل تحوّلت تدريجيًا إلى مساحة طاردة للجوء واللاجئين، لا سيما من العراق وسوريا وأفغانستان.
في هذا السياق، تتسارع وتيرة الترحيلات الجماعية، التي شملت الآلاف من طالبي اللجوء، معظمهم ممن لم يُمنحوا إقامة دائمة أو رُفضت طلباتهم بعد سنوات من الانتظار.
وتُعد ألمانيا والسويد من بين الدول الأوروبية التي بدأت تنفيذ سياسات إعادة قسرية منظمة للعراقيين، بالتنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان.
محمد جلال… الوجه العراقي لسياسة الترحيل الأوروبية
من بين هذه الحالات، يبرز اسم محمد جلال، الذي عاش قرابة عشرة أعوام في ألمانيا محاولًا الحصول على إقامة قانونية، قبل أن يُرحّل في يناير 2024 إلى مسقط رأسه “رانية” في محافظة السليمانية، ليجد نفسه يعيش في فقر إلى جانب والده المسن، دون عمل أو أمل فعلي بإعادة بناء حياته.
يقول محمد في حديثه مع وكالة فرانس برس:
“لو أتيحت لي الفرصة، سأعود إلى أوروبا مجددًا، لا لأتلقى مساعدات بل لأعمل وأعيش بكرامة.”
قصة محمد تتكرر بصور متعددة في ألمانيا وكذلك في السويد حيث بدأ تنفيذ عمليات ترحيل صامتة لعدد من العراقيين الذين تم رفض طلبات لجوئهم، رغم استقرارهم لسنوات، واندماج بعضهم جزئيًا في المجتمع بل أن بعضهم لديه زوجة وأبناء سويديين.
ويؤكد نشطاء أن بعض المرحلين من السويد تلقوا إشعارات مفاجئة بالإبعاد، دون منحهم فرصة حقيقية للاستئناف أو إعادة النظر في ملفاتهم.
بالأرقام: تصاعد الترحيل في أوروبا
في الربع الأخير من عام 2024 فقط، طُلب من نحو 125 ألف شخص غير أوروبي مغادرة الاتحاد الأوروبي، بزيادة 16.3% عن الفترة ذاتها من 2023.
في العراق، أفادت منظمات أن قرابة 300 شخص تم ترحيلهم إلى البلاد خلال يناير 2025 وحده، معظمهم من ألمانيا، إلى جانب أعداد من فرنسا والدول الاسكندنافية، وعلى رأسها السويد.
وتُشير السفارة الألمانية في بغداد إلى أن المبدأ واضح:
“لا إقامة لمن لا يحتاج إلى الحماية… حتى لو جاء بحثًا عن حياة أفضل.”
السويد والعراق: ترحيلٌ في مقابل دعم فني ومادي
بالرغم من أن السويد تمتنع غالبًا عن الكشف العلني عن أرقام الترحيل، إلا أن تقارير حقوقية غير حكومية أكدت أن ترحيلات قسرية تمت من السويد إلى بغداد وأربيل، شملت طالبي لجوء عراقيين رُفضت ملفاتهم.
وفي المقابل، تسهم السويد، شأنها شأن ألمانيا، في تمويل برامج إعادة الاندماج داخل العراق، مثل المراكز التي تديرها منظمة GIZ الألمانية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وسويسرا، والتي تقدم تدريبًا مهنيًا وإرشادًا نفسيًا للعائدين.
عراق ما بعد الترحيل: استقرار هش وآفاق مسدودة
رغم أن العراق يُصنّف رسميًا كدولة “آمنة” نسبيًا، خصوصًا في إقليم كردستان، إلا أن الواقع الاقتصادي يشير إلى بطالة مرتفعة بين الشباب (تصل إلى 37.2%)، وفساد مزمن في مؤسسات الدولة، وانعدام فرص العمل الحقيقي.
وهذا ما يفسر حالات مثل محمد إسماعيل، الذي عاد من ألمانيا بعد انتظار دام خمس سنوات دون إذن عمل، ليبدأ من الصفر في ورشة لإصلاح السيارات مقابل 550 دولارًا شهريًا فقط، بعد أن استدان للهجرة ووقع في فخ الديون واليأس.
العودة الطوعية… خيار مضلل؟
رغم وجود برامج “عودة طوعية” برعاية منظمات دولية، فإنها غالبًا لا تعكس واقعًا فعليًا، لأن أغلب العائدين:
- لم يعودوا طوعًا بل تحت الضغط أو بعد استنفاد كل الفرص
- لا يملكون سكنًا ولا مورد دخل
- يعانون من الوصمة الاجتماعية والنفسية بسبب فشلهم في “رحلة الحلم الأوروبي”
ويؤكد أبو بكر علي، مدير جمعية العائدين في كردستان العراق:
“كنا نحذّر دائمًا من فكرة أن أوروبا جنّة… من يعود لا يجد لا عملًا ولا حياة ولا أملًا.”
خلاصة وتحذير:
تشدد سياسات الهجرة في أوروبا، وخاصة في دول مثل السويد وألمانيا، لم يعد مجرد خيار سياسي بل واقع قاسٍ ينعكس على آلاف العائلات العراقية والسورية، التي تجد نفسها فجأة خارج حدود “الحلم الأوروبي”، في عودة قسرية إلى بيئة غير مهيأة لاستقبالهم.
ويكمن الخطر الأكبر في أن هذه السياسات تُنفّذ بهدوء وبدعم دبلوماسي، عبر اتفاقيات ثنائية وتفاهمات غير معلنة، ما يجعل المهاجر العراقي، حتى المقيم منذ سنوات، عرضة للترحيل في أي لحظة.
هل أصبحت أوروبا تطوي صفحة “الملاذ الإنساني”؟ وهل العراق فعلاً مستعد لاستقبال موجات عودة لا يجد أصحابها شيئًا بانتظارهم سوى الفراغ؟