تقارير المركز السويدي للمعلومات SCI

نيويورك تايمز: جنرالات الأسد يخططون لتمرد واسع في سوريا قوامه 168 ألف مقاتل في 2026

 أظهر تحقيق استقصائي موسّع لصحيفة نيويورك تايمز. أنه وبعد مرور عام كامل على انهيار حكم بشار الأسد وخروج كبار أركانه من البلاد، وفي وقت تحاول فيه سوريا إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية تحت قيادة سياسية جديدة، يكشف تحقيق للاستخبارات الأمريكية عن تنظيم حركة تمرد يقودها ضباط سابقون من خارج  سوريا، تحديدًا من روسيا ولبنان والعراق وإيران، بهدف التحضير لتمرد مسلح داخل الأراضي السورية، وفق ما توصلت إليه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
واعتمد التحقيق على مجموعة واسعة من الأدلة، شملت تسجيلات مكالمات هاتفية، ورسائل نصية جرى اختراقها، إضافة إلى مقابلات مباشرة وتحليل تفصيلي للمعطيات، ما أظهر تداخلًا واضحًا بين الطموحات العسكرية والتمويل المالي، إلى جانب محاولات التأثير السياسي الخارجي.




وفي قلب هذه التحركات، تبرز شخصيتان عسكريتان سابقتان تخضعان لعقوبات دولية: سهيل الحسن، القائد السابق لإحدى وحدات النخبة في جيش النظام المنهار، وكمال الحسن، الذي شغل سابقًا منصب رئيس الاستخبارات العسكرية. ورغم اختلاف أسلوب كل منهما، إلا أن الهدف المشترك يتمثل في استعادة النفوذ داخل بلد أنهكته أكثر من ثلاثة عشر عامًا من الحرب.





وتصف الصحيفة سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر”، بأنه أحد أكثر قادة النظام السابقين ارتباطًا بالعمليات العسكرية العنيفة، حيث اكتسب سمعته بسبب الأساليب القاسية التي اتبعها في المعارك. وقد ارتبط اسمه لدى أطراف المعارضة باستراتيجيات التدمير الشامل، كما وُجهت إليه اتهامات بإصدار أوامر لقصف مناطق مدنية.

وكان الحسن، الذي حظي بدعم روسي لسنوات طويلة، من أوائل المسؤولين الذين عملت موسكو على إخراجهم من سوريا مع بدء تفكك النظام، بحسب ما أفاد به أربعة ضباط سابقين.




النمر والداعم المالي الطامح

ويكشف التحقيق أن سهيل الحسن لم يتقبل فكرة الابتعاد عن المشهد من منفاه في موسكو، بل يُعد الأكثر اندفاعًا نحو خيار العمل العسكري. فمنذ ربيع عام 2025، أظهرت رسائل خاصة مسرّبة من هاتفه، واطلعت عليها الصحيفة، ملامح هيكل تنظيمي عسكري يجري بناؤه بعيدًا عن الأنظار.




ووفق ما ورد في التحقيق، قام الحسن بإعداد قاعدة بيانات تضم أكثر من 168 ألف شخص من أبناء الطائفة العلوية في منطقة الساحل السوري، من بينهم نحو 20 ألفًا لديهم إمكانية استخدام أسلحة رشاشة، و331 شخصًا يمتلكون مضادات للطيران، و150 بحوزتهم أسلحة مضادة للدروع، إضافة إلى 35 قناصًا لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم.

وتشير الاتصالات التي تم تحليلها إلى أن الحسن لم يكن يتحرك بمفرده، بل تلقى دعمًا ماليًا من رامي مخلوف، رجل الأعمال المعروف وابن خال بشار الأسد، الذي يحاول بدوره لعب دور محوري داخل الطائفة العلوية من مقر إقامته في موسكو.





وبحسب التحقيق، يتولى مخلوف دورين متوازيين: التمويل والترويج لنفسه كقائد محتمل. فهو لا يقتصر على دفع مبالغ مالية كبيرة كرواتب شهرية للمقاتلين المحتملين، تتراوح بين 200 و1000 دولار، بل يسعى إلى تقديم نفسه باعتباره الشخصية القادرة على “حماية” أبناء الطائفة العلوية في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

وترى الصحيفة أن الجمع بين الموارد المالية التي يوفرها مخلوف والخبرة القتالية العنيفة التي يمتلكها سهيل الحسن يشكّل الأساس لما يمكن اعتباره قوة عسكرية غير معلنة، تنتظر أي لحظة ضعف تصيب الحكومة الجديدة للتحرك ضدها.




ومن اللافت، بحسب ما أورد التحقيق، أن سهيل الحسن بات يوقّع رسائله بعبارة “خادمكم برتبة مجاهد”، موجّهًا حديثه إلى شخصية يصفها بـ“القائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة”، وتشير المعطيات بقوة إلى أن المقصود هو رامي مخلوف.

كما تكشف الوثائق عن محاولات فعلية لتأمين أسلحة، وصرف رواتب لعناصر محتملين، والسعي للتنسيق مع جماعات مسلحة إقليمية بغرض تهريب السلاح، إلا أن هذه الجهود بدأت لاحقًا بالتراجع نتيجة الخلافات الداخلية وصعوبات التنفيذ على الأرض.

بوابة التأثير في واشنطن

في المقابل، يظهر كمال الحسن، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، أقل حماسًا لخيار المواجهة العسكرية المباشرة، وأكثر اهتمامًا ببناء نفوذ سياسي خارج سوريا.




ويشير التحقيق إلى أنه يقف خلف كيان يُعرف باسم “مؤسسة تنمية غرب سوريا”، التي تتخذ من بيروت مقرًا لها تحت غطاء العمل الإنساني، لكنها في الواقع سعت إلى التعاقد مع شركات ضغط سياسي في الولايات المتحدة، بعقد بلغت قيمته مليون دولار، بهدف الترويج لفكرة فرض حماية دولية على المناطق ذات الغالبية العلوية.

ووفق سجلات رسمية أميركية تعود إلى شهر أغسطس الماضي، أبرمت المؤسسة اتفاقًا مع شركة الضغط السياسي “تايغر هيل بارتنرز”، إضافة إلى جوزيف شميتز، الذي شغل سابقًا منصب مستشار للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكان مسؤولًا تنفيذيًا في شركة “بلاك ووتر”.





وترى الصحيفة أن هذا المسار يثير قلقًا لدى دبلوماسيين معنيين بالشأن السوري، ربما أكثر من المخططات العسكرية نفسها، إذ يخشون أن يقود الضغط المنظم داخل واشنطن إلى فتح نقاشات حول إنشاء كيان شبه مستقل داخل سوريا.

شبكات متداخلة ومنقسمة

ولا تتوقف تحركات القيادات السابقة عند حدود التخطيط، إذ أظهرت التسريبات تورط غياث دلة، القائد السابق في الفرقة الرابعة التابعة لقوات النخبة، في إدارة شؤون لوجستية من داخل الأراضي اللبنانية.




ويعيش دلة، البالغ من العمر 54 عامًا، أوضاعًا معيشية متواضعة في المنفى، لكنه لعب دورًا محوريًا في محاولات تهريب أسلحة، شملت طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، بالتنسيق مع جماعات مسلحة عراقية على صلة بإيران.

وفي إحدى الرسائل المسرّبة، أبلغ دلة كمال الحسن أنه قام بتوزيع نحو 300 ألف دولار كرواتب شهرية لعناصر وقادة ميدانيين محتملين، بمبالغ تراوحت بين 200 و1000 دولار، كما طلب الموافقة على شراء أجهزة اتصال عبر الأقمار الصناعية بتكلفة تجاوزت 136 ألف دولار.




كما كشفت الوثائق، بحسب الصحيفة، عن قيام طهران بتوفير أماكن إقامة آمنة لطيارين سوريين سابقين متهمين بارتكاب جرائم حرب، من بينهم محمد الحصوري، داخل فنادق في لبنان، تحسبًا لأي تصعيد عسكري محتمل. ويُعد الحصوري، البالغ من العمر 60 عامًا، من كبار ضباط سلاح الجو، ومرتبطًا باتهامات تتعلق باستخدام أسلحة كيميائية في هجوم خان شيخون عام 2017.

وكتب كمال الحسن في إحدى المراسلات أن مسؤولين إيرانيين قاموا بنقل الحصوري ونحو 20 طيارًا آخرين من عناصر النظام السابق إلى فندق في لبنان، وأبدوا استعدادهم للبقاء والمشاركة في أي تمرد، شريطة تغطية تكاليف إقامتهم. وفي ظل هذا المشهد المضطرب، يجد قادة النظام السابق مساحة للمناورة، مستفيدين من مخاوف الأقليات، ومن شبكات مالية وعسكرية لم يتم تفكيكها بالكامل.




لكن التحقيق يوضح أيضًا أن هذه المساعي تواجه عقبات حقيقية؛ فالمجتمع العلوي نفسه لا يبدو متماسكًا خلف هذه المشاريع، إذ يحمل كثيرون غضبًا عميقًا تجاه نظام زجّ بهم في حرب مدمرة. كما تعاني الشبكات التي حاول الجنرالات تشكيلها من انقسامات داخلية، وشح في الموارد، إضافة إلى رقابة إقليمية ودولية مشددة.

ويختتم التحقيق بنقل تحذير أطلقه بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق المنشق، موجّهًا حديثه إلى الحكومة السورية الحالية، مؤكدًا أنه “إذا فشلت في تحقيق الاستقرار خلال عامين أو ثلاثة، فقد يبحث صناع القرار في الولايات المتحدة عن أطراف أخرى للتعامل معها”.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى