قصص المهاجرين واللاجئين

الهجرة السويدية: ترحيل زوجين مهاجرين يعملان في الطب والتمريض رغم عملهما لسنوات!

رغم النقص المزمن الذي تعاني منه المستشفيات السويدية في الأطباء والممرضين، تجد عائلة مهاجرة تعمل في قلب هذا القطاع الصحي الهام نفسها أمام قرار الترحيل القسري، في مفارقة تثير تساؤلات واسعة حول تطبيق قوانين الهجرة الجديدة وتداعياتها الإنسانية والمجتمعية.  – زهراء كاظم تجلس في بهو مستشفى  (Södersjukhuset) في ستوكهولم، والدموع لا تتوقف عن الانهمار. إلى جانبها يجلس زوجها ، يحتضنها بصمت، في مكان كان حتى وقت قريب موقع عملهما معاً كل يوم لكنه الآن أصبح موقع لوداع قاسٍ.




قبل أسبوع واحد فقط من أعياد الميلاد للعام الجديد 2026 ، وفي صباح هادئ من أيام السبت، يمر زملاؤهما بملابسهم الطبية الزرقاء، بعضهم يتوقف للحظة، يحيّي، ثم يمضي وهو يدرك أن زميلين كانا جزءًا من الفريق لم يعودا كذلك. فبعد العمل في مهنة الطبيب للزوج والتمريض الجراحي للزوجة لسنوات وإعالة أنفسهم ودفع الضرائب فقدوا كا شيء ، وتم  سحب تصريحا العمل (للاجئين) من الزوجين وتم انهاء خدمتهم بشكل نهائي في المستشفى، وبات من المقرر ترحيل العائلة كاملة خلال أيام قللة قادمة إذا تعاونا في قرار الترحيل أو سوف يتم تحويل ملفهم للشرطة السويدية لتنفيذ الترحيل قسراً.



من إيران إلى السويد… هروب من القمع وبداية من الصفر

وصلت زهراء وزوجها أفشاد إلى السويد قبل نحو تسع سنوات في عام 2016 ، برفقة طفلهما الذي كان في السادسة من عمره آنذاك وهو الآن في الــ 15 من عمره  تعلم ودرس وعاش في السويد. كلاهما من حملة الشهادات العليا؛ أفشاد كان طبيب قلب في إيران، وزهراء شغلت منصب رئيسة تمريض متخصص. غير أن مستقبلهما في بلدهما لم يكن آمنًا، بعدما اتهام أفشاد  بنشاط معارض للنظام الإيراني، ما أدى إلى اعتقاله وسجنه لثلاث سنوات، قضى جزءًا كبيرًا منها في الحبس الانفرادي.

الزوجين زهراء وافشاد.

بعد الإفراج عنه ظل تحت المراقبة المستمرة، ومع تصاعد المخاطر، لم يعد البقاء خيارًا ممكنًا. في خريف عام 2015 غادر هرباً من بلادهم، وصلت العائلة إلى ستوكهولم طلبًا للأمان في بداية عام 2016.



طريق شاق نحو الاندماج والعمل!

البداية في السويد لم تكن سهلة. زهراء، التي كانت تدير طواقم تمريض في إيران، اضطرت للعمل في مجال التنظيف في السويد. لم يكن ذلك خيارًا سهلاً، لكنها تصفه اليوم بأنه قرار واعٍ، إذ أرادت العائلة الاعتماد على نفسها دون مساعدات، والعمل ودفع الضرائب والمساهمة في المجتمع السويد. وبمحض الصدفة، قادها عملها إلى طبيبة متقاعدة تعرّفت على خلفيتها المهنية، وكانت تلك نقطة التحول. فُتحت أبواب مستشفى  (Södersjukhuset) أمامها، ثم لحق بها زوجها أفشاد، الذي بدأ العمل كمساعد تمريض، رغم خبرته الطويلة في أمراض القلب كطبيب متخصص بأمراض القلب.




وخلال جائحة كورونا، كان الزوجان في الصفوف الأمامية داخل المستشفيات، في وقت كانت فيه المنظومة الصحية السويدية تعاني ضغطًا غير مسبوق. وبالتوازي، كانا يتعلمان اللغة السويدية من خلال برامج الأطفال والكتب المبسطة، خطوة بخطوة نحو الاندماج الكامل. لاحقًا، وُلدت ابنتهما التي تبلغ اليوم سبع سنوات وتدرس في الصف الأول، فيما أصبح الابن في الخامسة عشرة من عمره ويستعد لإنهاء المرحلة الإعدادية. السويد، بالنسبة للأطفال، ليست محطة مؤقتة، بل الوطن الوحيد الذي يعرفونه.



تصاريح عمل سارية… ثم قرار مفاجئ!

بعد رفض طلب اللجوء، تقدمت العائلة بطلب للحصول على تصاريح عمل من داخل السويد وفق النظام الذي كان يُعرف بـ«تغيير المسار»، وهو استثناء قانوني أتاح لطالبي اللجوء المرفوضين البقاء إذا توفرت لديهم وظائف مستوفية للشروط. حصل الزوجان على التصاريح، وواصلا العمل في القطاع الصحي. مع مرور الوقت، بدأت زهراء العمل في قسم عمليات عالي التخصص، والتحقت ببرنامج دراسي في معهد كارولينسكا (Karolinska Institutet) للحصول على رخصة التمريض السويدية، وكان من المقرر إنهاء دراستها في مايو المقبل.

الزوجين زهراء وافشاد. قصة لجوء وهجرة وعمل للسويد ..فشلت!





لكن في ربيع هذا العام، تغيّر كل شيء. فــ في الأول من أبريل 2025، دخلت تعديلات جوهرية على قوانين الهجرة السويدية حيز التنفيذ، ضمن إصلاحات واسعة أقرتها الحكومة الحالية بدعم من حزب سفاريا ديمقارطنا- أبرز هذه التعديلات كان إلغاء نظام «تغيير المسار» بشكل كامل، ما يعني أن أي شخص رُفض طلب لجوئه لم يعد بإمكانه التقدم بطلب عمل من داخل السويد. وبدون استثناءات!!
وبموجب القواعد الجديدة، يتوجب على المتقدم مغادرة السويد أولًا، ثم التقدم بطلب تصريح عمل من خارجها، وانتظار القرار هناك، بغض النظر عن عدد سنوات العمل السابقة أو الحاجة الفعلية للقطاع الذي يعمل فيه.




عندما انتهت تصاريح عمل زهراء وأفشاد في أبريل، تقدّم المستشفى بكافة الوثائق المطلوبة لتجديدها، بما في ذلك عقود عمل ورواتب تتجاوز 90 في المئة من متوسط الأجور، وهو الشرط الجديد الذي أقرته الحكومة. إلا أن التعديلات القانونية جعلت التجديد مستحيلاً. لآن الطلب يجب أن يكون من خارج السويد لآن تصريح العمل لديهم قادم من مرحلة لجوء تسبقه وليس إقامة عمل مستمرة!

زهراء تبكي! وزوجها بجوارها!

اليوم، تواجه العائلة قرار ترحيل وشيك، أُجّل مرة واحدة من 22 ديسمبر إلى مطلع يناير. زهراء تقول إنها لا تفهم ما الخطأ الذي ارتكبته. تؤكد أنها التزمت بالقانون، عملت، دفعت الضرائب، وتعلمت اللغة، لكنها تجد نفسها مضطرة إلى مغادرة بلد أصبحت تعتبره وطنها.




أصعب ما في الأمر، كما تقول، هو شرح ما يحدث للأطفال. ابنها سألها ببساطة: «كل حياتي هنا، لماذا يجب أن نرحل؟». في وقت تعترف فيه الدولة السويدية رسميًا بنقص حاد في الأطباء والممرضين، وتضع المتخصصين في التمريض ضمن الفئات ذات الأولوية، تقف هذه العائلة مثالًا حيًا على الفجوة بين الحاجة الفعلية وسقف القوانين الصارمة. وحتى الآن، لا يوجد حل واضح. الأسرة تستعد للأسوأ، بينما يواصل زملاؤهم في المستشفى عملهم اليومي، في نظام صحي يحتاج إليهم، لكن القوانين لا تسمح ببقائهم.

القصة لم تنتهِ بعد، لكنها تعكس بوضوح الثمن الإنساني لإصلاحات الهجرة، حين تتقاطع النصوص القانونية مع حياة أشخاص بنوا مستقبلهم في بلد بات يطالبهم بالمغادرة.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى