مجتمع

السويد… عودة الطقوس الروحية في المنازل بعد تراجع الإيمان الديني لعقود!

منذ عدة عقود، اتجه المجتمع السويدي تدريجيًا نحو نمط حياة مادي وعلمي، متخليًا إلى حد كبير عن المفاهيم الدينية والتقاليد الروحية التي كانت يومًا جزءًا من الحياة اليومية. ومع هذا التحوّل، أصبحت العلاقة بالإيمان الشخصي شبه غائبة عن المشهد العام، باستثناء بعض الفئات، خاصة كبار السن، الذين حافظوا على بعد روحي في حياتهم. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا ملحوظًا، تمثّل في عودة الاهتمام بالجوانب الروحانية، وإن كانت هذه العودة تأخذ طابعًا أكثر فردية وتحررًا من الأطر الكنسية التقليدية.

من بين أبرز هذه الظواهر الجديدة، تزايد الطلب من قبل الأفراد على الكهنة لتبريك منازلهم. هذا الاتجاه المتنامي دفع بعض القساوسة إلى اقتراح وضع طقوس رسمية لهذا النوع من المراسم، تشبه ما هو معتمد في المعموديات أو الجنازات، لما يحمله من دلالات روحانية متجددة في حياة الناس.




القس ستيفان آرو من أبرشية لوليو تحدث إلى وكالة الأنباء TT عن هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنه يلاحظ بوضوح عددًا متزايدًا من الأفراد الذين يقصدون الكنيسة سعياً لنشر السلام الداخلي في بيوتهم. وأوضح أنه مع زميلين له قدّم اقتراحًا إلى مجلس الكنيسة السويدية لوضع هيكلية رسمية لمراسم تبريك المنازل، تُراعي هذا التوجه المجتمعي المتصاعد.

وأشار آرو إلى أن الناس في هذا العصر، وسط عالم مليء بالتوترات والمخاوف، يبحثون عن نقاط ضوء وطمأنينة. وقال إن وجود طقوس واضحة يمكن أن يلبّي هذا الاحتياج النفسي والروحي، ويمنح الأفراد شعورًا بالأمان داخل منازلهم.

تجربة شخصية تتحول إلى مصدر إلهام

كارينا هيدمان، وهي من العاملين في إحدى الرعايا، تحدثت عن تجربتها الشخصية بعد انتقالها إلى منزل قديم مع زوجها في منطقة هلسينغلاند. المنزل، الذي تجاوز عمره المئة عام، شهد حياة العديد من العائلات، ما دفعها للتفكير في تبريكه كنوع من الاحترام والاعتراف بتاريخ المكان.




وقد جرت مراسم التبريك خلال احتفال عائلي تزامن مع عيد منتصف الصيف، حيث قام كاهن وصديق للعائلة بجولة في أنحاء المنزل، تلا فيها أدعية وبارك الغرف باستخدام الماء كرمز للطهارة والنقاء. وتصف هيدمان المناسبة بأنها لحظة استثنائية مليئة بالرهبة والفرح، مشيرة إلى أن الحضور، ومنهم من ينتمي إلى أجيال مختلفة، أبدوا إعجابهم بالفكرة واعتبروا أن هذا النوع من الطقوس يجب أن يصبح جزءًا طبيعيًا من الانتقال إلى بيت جديد.

عودة تقليد روحي قديم

رغم أن تبريك المنازل ليس أمرًا غريبًا على المسيحية عمومًا، إلا أنه لا يُمارس كثيرًا ضمن الكنيسة السويدية. بخلاف الكنائس الكاثوليكية التي تُجري مثل هذه الطقوس بانتظام، خاصة خلال عيد الغطاس، فقد ظل هذا التقليد نادرًا في الممارسة البروتستانتية السويدية. ومع ذلك، فإن بعض المناطق مثل سامي وتورنيدال في شمال البلاد حافظت على هذا التقليد بدرجة أكبر من بقية المناطق.




وفي مقترحهم لمجلس الكنيسة، أشار الكهنة إلى أنهم كثيرًا ما يواجهون أشخاصًا عاشوا تجارب روحية خارج النطاق الكنسي، مثل جلسات استحضار الأرواح أو محاولات الاتصال بالعالم الآخر عبر وسطاء. هذه التجارب تثير في نفوس البعض الخوف والارتباك، مما يدفعهم للبحث عن تطهير معنوي لمنازلهم من “طاقات سلبية”، بحسب تعبير البعض.

لذلك، اقترح القساوسة أن تتضمن الخطط الجديدة تدريب رجال الدين على التعامل مع هذه القضايا من خلال برامج خاصة في “الخدمة التحريرية والرعاية الروحية”، بما يعزز قدرتهم على فهم التحولات الحديثة في التجارب الإيمانية للناس.




دعوات لانفتاح أكبر داخل الكنيسة

من جهتها، رأت الباحثة في علم النفس الديني بجامعة يافله، سارا دوبيلس، أن ما نشهده اليوم يعكس حاجة إنسانية جوهرية للشعور بالانتماء الروحي. وأوضحت أن هذا الانتماء لا يتجلّى فقط عبر الدين المؤسسي، بل قد يظهر من خلال أنشطة جماعية أو معتقدات شخصية، تختلف من فرد لآخر.

وأضافت دوبيلس أن الكنيسة السويدية قد تستفيد كثيرًا من تبنّي مقاربة أكثر انفتاحًا وشمولًا للتجارب الروحية المتنوعة، خاصة في ظل تزايد الأفراد الذين يعيشون إيمانهم بشكل شخصي لا يجد تمثيلًا كافيًا داخل الإطار الرسمي للكنيسة.




وضربت مثالًا بالملائكة، التي تُعد جزءًا من المعتقدات الشعبية المسيحية، لكنها شبه غائبة عن الخطاب الرسمي للكنيسة، رغم أنها ما تزال تلعب دورًا مهمًا في تصورات الكثيرين عن الإيمان.

من جانبها، أعربت كارينا هيدمان عن تأييدها لفكرة اعتماد طقوس رسمية لتبريك المنازل داخل الكنيسة السويدية، معتبرة أن وجود إطار واضح يساعد في تعزيز حرية الممارسة الروحية ضمن أطر منظمة ومفهومة، ما يسهم في توسيع دائرة الشمول الروحي داخل الكنيسة.





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى