آخر الأخبارأخبار السويد

أعلام الدول “الأم للمهاجرين” تثير جدلاً في احتفال تخرج طلاب المدارس الثانوية السويدية

 في كل صيف، تعيش المدن السويدية لحظة من الفرح الجماعي، مع انطلاق احتفالات تخرج طلاب الثانوية العامة، والتي تعتبر واحدة من أعرق المناسبات الاجتماعية في البلاد. مشهد مألوف ومحبب: طلاب يرتدون القبعات البيضاء التقليدية، يحملون صور طفولتهم، محاطين بعائلاتهم وأقاربهم، يغنون ويحتفلون وسط موسيقى صاخبة وزينة تعم الشوارع. وفي موكب من شاحنات “تريلا” مكشوفة، يجوب الخريجون الطرقات احتفالاً بانتقالهم من مقاعد الدراسة إلى مرحلة جديدة من الحياة.




لكن في السنوات الأخيرة، أصبح لهذا المشهد وجه آخر أكثر إثارة للجدل.

 أعلام ليست سويدية.. حضور رمزي يثير أسئلة ثقيلة

ما كان في السابق احتفالاً سويديًا بامتياز، أصبح اليوم ساحة لنقاش وطني واسع، بعد أن بدأ عدد متزايد من الطلاب من أصول مهاجرة يرفعون أعلام بلدان آبائهم وأجدادهم – مثل سوريا، العراق، فلسطين، كردستان، الصومال، وغيرها. هؤلاء الطلاب يحملون الجنسية السويدية، وولد كثير منهم في السويد، لكنهم يختارون في يوم تخرجهم إظهار انتماءهم المزدوج برفع أعلام تمثل جذورهم العائلية.



 دعم اجتماعي له بُعد وجداني

أنصار هذا السلوك يرون أنه تعبير مشروع عن الهوية الثقافية المتعددة التي يحملها هؤلاء الشباب. يقول البعض: “هؤلاء طلاب سويديون، لكنهم أيضاً أبناء لاجئين ومهاجرين… رفع العلم هو تكريم للأهل، لا تقليل من قيمة السويد”. ويضيف آخرون أن هذه اللحظة تمثل توازنًا بين الانتماء الحالي والحنين العائلي، وأن الهوية الحديثة لم تعد أحادية اللون.





 لكن ليس الجميع مرتاحاً…

في المقابل، ارتفعت أصوات ناقدة، ترى أن رفع أعلام دول أجنبية في احتفال سويدي بحت يُعد إشارة إلى ضعف الاندماج وعدم الاحترام الرمزي للوطن الجديد. بالنسبة للبعض، يُنظر إلى هذا التصرف كنوع من “الإنكار الصامت” للسويد التي وفّرت فرص التعليم والعيش الكريم، خاصة عندما لا يُرفع علم السويد بالمقابل.





 تصريحات سياسية تزيد النار اشتعالاً

من أبرز المنتقدين، أحزاب اليمين المتشدد، وعلى رأسهم زعيم حزب “ديمقراطيو السويد”، جيمي أوكسون، الذي صرح في مقابلة:

“هؤلاء لا ينتمون للسويد… عليهم أن يأخذوا أعلامهم ويعودوا إلى بلدانهم الأصلية.”
أما زميله في الحزب ريشارد يومسهوب، فقال:
“السويد فتحت لهم أبوابها، منحتهم الأمان، العلم، والحرية… لكنهم اختاروا أن يحتفلوا بأوطان فروا منها، لا بالبلد الذي أنقذهم.”




وتقول  الكاتبة السويدية تيودوريسكو:  إن مشهد رفع أعلام أجنبية في مناسبة احتفالية سويدية يكشف عن فجوة رمزية في الانتماء. هؤلاء الشباب، رغم أنهم ولدوا في السويد، وتعلموا فيها، وعاشوا في كنف نظام اجتماعي ممول من دافعي الضرائب السويديين، يختارون – في لحظة رمزية – تعزيز هوية الأقلية المهاجرة على حساب الهوية الوطنية السويدية.




تضيف الكاتبة أن هذا الانقسام في الهوية يعكس أزمة عميقة في مشروع التعددية الثقافية، حيث باتت السياسات تشجع على الاحتفاظ بالهويات الأصلية، بدل بناء هوية سويدية مشتركة. وهذا يقوّض التماسك المجتمعي، ويعزز منطق “المجتمعات المتوازية” في قلب المدن السويدية.

 أسئلة مصيرية: لماذا علم واحد؟ ولماذا ليس العلم السويدي؟

“إذا كان لا بد من رفع الأعلام، فلماذا لا يرفع الطلاب علمين؟ ولماذا لا يكون العلم السويدي حاضرًا على الأقل؟”




بهذه التساؤلات تطرح تيودوريسكو معضلة الهوية والانتماء، معتبرة أن غياب العلم السويدي من أيدي بعض الطلاب هو اختيار له ثمن، لأنه يعيد إنتاج المسافة النفسية والاجتماعية بين هؤلاء الشباب والمجتمع السويدي الأوسع.

إذا كنا نسعى إلى سويد أكثر وحدة وتماسكًا، فإن هذا يتطلب توازنًا صعبًا بين احترام الجذور وبناء انتماء حقيقي للمستقبل.




 ما الحل؟ دعوة لتوازن ذكي

الحل لا يكمن في منع الأعلام أو فرض شعارات موحدة، بل في خلق وعي جمعي جديد لدى الطلاب والأهالي بأن الاحتفال بالهوية الثقافية لا يعني إنكار الانتماء الوطني.
رفع علم الوطن الأم لا يُلغى إذا رُفع إلى جانبه علم السويد، الوطن الحاضر والمستقبل.
في نهاية المطاف، احتفال التخرج هو لحظة فرح، والفرح الحقيقي لا يكون إلا عندما يشعر الجميع بالانتماء والمساواة.




هل تعتقد أنه من حق الطلاب رفع أعلام دولهم الأصلية في يوم تخرجهم؟
ولا ترى أنه يجب أن يكون الاحتفال “سويديًا خالصًا”؟ 
شارك رأيك…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى