
عائلة سورية أخذت المال من “برنامج العودة” وعادت لسوريا.. وتحذّر الآخرين: “لقد ندمنا”
قبل نحو شهرين فقط، كانت عائلة آل السوادِي – Alsawady – وهي عائلة مهاجرة سورية في الدنمارك تعيش حياة مستقرة في مدينة Ry شرق الدنمارك. كان الأب يعمل، والأطفال يذهبون إلى المدرسة ورياض الأطفال، والكهرباء والإنترنت والمواصلات متوفرة بلا قلق انها الحياة الدنماركية الإسكندنافية حيث الرفاه والنظام. لكن كل ذلك تبدّل عندما قررت العائلة العودة إلى سوريا من خلال دعم برنامج العودة الدنماركي للسوريين مقابل المال ، وبعد أن أقنعهم أقارب وأصدقاء بأن “ سوريا أصبحت آمناً، والحياة عادت لطبيعتها ولو حصلوا على المال من الدنمارك ستكون حياتهم رائعة في سوريا”.
ولتشجيعهم على العودة، قدّمت الدولة الدنماركية لهم مبالغ مالية كبيرة ضمن برنامج repatriering – العودة الطوعية.
المبلغ كان 160 ألف كرون لكل بالغ، إضافة إلى 50 ألف كرون لكل طفل، مع إمكانية الحصول على دعم إضافي للمعدات، الطبابة، تكاليف السفر… ما يجعل إجمالي ما حصلت عليه الأسرة يقترب من ربع مليون كرون (250 ألف كرون) اي مايعادل 40 ألف دولار .
لكن كل تلك الأموال لم تعِش معهم طويلاً… وما إن عادوا إلى مدينة إدلب السورية حتى اكتشفوا أن الواقع أبعد ما يكون عن الصورة الوردية التي وُعدوا بها انتهت الأموال وأصبحت حياتهم مدمرة.
يقف الأب المعتصم السوادِي على شارع مزدحم في إحدى بلدات إدلب، والغبار يتطاير من السيارات القديمة. يخرج هاتفه ويعرض صورة لجثة رجل مقتول رمياً بالرصاص قرب المكان الذي يتناول فيه الغداء مع ابنه عبدالرحمن (13 عاماً) وابنته ميرال (5 سنوات).

يقول بصوت متوتر:
“قالوا لنا إن الوضع أصبح آمناً. قالوا إن القصف توقف وأن مبلغ مالي كبير سيجعل الحياة رائعة . لكن لم يخبرنا أحد عن الخطف والقتل في الشوارع ولا عمل ولا تجارة وأن الحياة مكلفة ولا خدمات ولا رعاية صحية .”
ثم يُظهر صورة ثانية من هاتفه لجثة أخرى وجدت على مقربة من بيت أقاربهم. هذه اللحظات ليست استثناء… بل أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية، حتى أنهم يتجنبون الخروج من البيت إلا عند الضرورة القصوى.
الحياة داخل سوريا… ليست كما صُوِّرت لهم
عادت العائلة إلى محافظة مدمَّرة، بلا استقرار، بلا كهرباء منتظمة، بلا ماء نظيف، بلا مدرسة للأطفال لا وجود للرعاية الصحية ولا النظافة بالطرقات .
يقول المعتصم: “أول صدمة كانت أن أطفالنا لا يمكنهم الذهاب إلى المدرسة. لا يوجد مدارس تعمل بشكل محترم، ولا أمان حولها.” كما أنهم لم يجدوا منزلاً للسكن، فتنقلوا بين بيوت الأقارب، محملّين بالشعور بالغربة داخل وطن يفترض أن يكون وطنهم.

ويضيف الأب نادماً:
“في الدنمارك كانت لنا شقة ودخل ثابت وحياة رفاهية ونظام ونظافة مدارس ورعاية صحية تعتني بنا..حياة مستقرة. هنا… نحن نعيش في غابة و خوف دائم.”
كيف خسروا حق العودة؟
كان بإمكان العائلة – مثل أي شخص يعود طوعياً – أن تحتفظ بحق التراجع خلال 12 شهر بشرط إعادة الأموال للدولة الدنماركية. لكن ما حدث هو أنهم اختاروا ما يسمّى البرنامج المرن – Fleksibel ordning.

هذا البرنامج يمنح:
- كل الأموال دفعة واحدة عند السفر
- لكن بشرط التوقيع على تنازل كامل عن حق التراجع
وبما أن إرسال الأموال إلى سوريا شبه مستحيل، لجأت أغلب العائلات لهذا الخيار. العائلة اعترفت أنها اتخذت القرار بدافع العاطفة والحنين والضغط من الأقارب وربما بدافع الحصول على المال مبلغ كبير مرة وأحدة. اليوم، لا يستطيعون العودة حتى لو أرادوا… لأنهم فقدوا حق العودة نهائياً. TV2 الدنماركي تواصل مع عائلات أخرى، بينها امرأة سورية مع طفليها، جميعهم أكدوا:
الحياة في سوريا مدمرة و أصعب مما توقعوا لا كهرباء ولا ماء وضع أمني خطير لا مدارس لا خدمات لا رعاية صحية … محاولات للعودة إلى الدنمارك فشلت… ولا طريقة قانونية كما صرّحت منظمة اللاجئين الدنماركية أنها تلقت اتصالات من “عدد من العائلات النادمة”.
الحكومة الدنماركية تعتبر الارتفاع الحاد في أعداد العائدين لسوريا “إيجابياً”، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي فسوريا بلادهم وعليهم التأقلم. وتسعى الآن لإبرام اتفاق رسمي مع الحكومة السورية الجديدة يسمح بـ:
- ترحيل القادمين المرفوضين
- ترحيل المدانين جنائياً
كما بدأت وزارة الهجرة تقييم الوضع الجديد داخل سوريا، مما قد يؤثر على 36 ألف سوري يحملون إقامة مؤقتة في الدنمارك، وخصوصاً 4500 لاجئ حرب قد يفقدون إقاماتهم إذا اعتُبر الوضع في سوريا “مستقراً”.

البروفيسور سونه هاغبول، خبير الشرق الأوسط، قال: نعم.. الوضع الأمني تحسّن قليلاً لكن العنف السياسي والطائفي مستمر والاقتصاد منهار كما أن 90% من السكان تحت خط الفقر ، فلا توجد مساكن والخدمات الأساسية مدمرة ، ومن جانبها تقول Eva Singer من منظمة اللاجئين:
“حتى الحديث عن الترحيل الآن هو حديث سابق لأوانه. سوريا ليست جاهزة.”
العائلة السورية الآن… تحذّر الآخرين
بعد تجربتهم المريرة، يقف المعتصم السوادِي ليقول كلاماً موجهاً لكل سوري يفكر بالعودة من الدنمارك:
“لا تفعلوا مثلنا. انتظروا. اصبروا. الوضع غير واضح… والبلد ربما يتحسن وربما يتدهور. لكن العودة الآن مخاطرة كبيرة.”
ويكرر الأب:
“خسرنا استقرارنا… خسرنا حق العودة… والمبلغ الذي أخذناه لم يعوّض خسارتنا وضاع وضاعت حياتنا.”









