تقارير

تقرير لهيئة الدفاع النفسي: ارتفاع مؤشر التعصّب وعدم التسامح. ومسلمين السويد بالمقدمة!

كشفت دراسة حديثة عن مؤشرات مقلقة تتعلق بتراجع التماسك الاجتماعي في السويد، حيث تزايدت مظاهر الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع إلى جانب تنامي مشاعر القلق من التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة. ورغم أن غالبية المشاركين في الاستطلاع أكدوا تمسكهم بالنظام الديمقراطي، إلا أن النتائج أظهرت استعداداً متنامياً لتقييد الحقوق السياسية في فترات الأزمات، وتراجعاً في مستويات التسامح تجاه جماعات دينية واجتماعية مختلفة، كان المسلمون من أبرزها.



وأوضحت الدراسة أن الميل إلى القبول بقيود على الحقوق السياسية يظهر غالباً خلال فترات الاضطراب الأمني أو الاقتصادي، حيث أبدى عدد من المشاركين استعدادهم لتقليص حرية التعبير والتجمع، ومنع التظاهر، أو حتى تقييد حق بعض الأفراد في الترشح أو إنشاء جمعيات وأحزاب دينية إذا اعتُبروا مصدر تهديد محتمل للمجتمع. واعتبر معدّو التقرير أن هذه النزعة تشكل تحدياً لقيم الديمقراطية الليبرالية التي تقوم عليها الدولة السويدية.

المسلمون في صدارة الاهتمام!

أبرز ما لفت الانتباه في التقرير هو المكانة المركزية التي احتلها المسلمون داخل نتائج الاستطلاع، إذ برزوا كأكبر مجموعة دينية يتفاوت تجاهها مستوى التسامح والتعصب بشكل حاد، لتظهر كمؤشر رئيسي على اتجاهات الرأي العام السويدي تجاه الأقليات. فقد أظهر ما يُعرف بـ”مؤشر التعصب وعدم التسامح” ارتفاعاً ملحوظاً إلى 42% في عام 2024 بعد أن كان 37% في عام 2023، ما يعكس ازدياداً في المواقف السلبية تجاه المسلمين تحديداً.




واحتل المسلمون المرتبة الخامسة ضمن قائمة الفئات التي عبّر السويديون عن أقل قدر من القبول تجاهها، بعد مناهضي الإجهاض، وأنصار حزب ديمقراطيو السويد (SD)، ومنكري أزمة المناخ، ومعارضي اللقاحات. ويُلاحظ أن هذه المجموعات الأخرى ذات طابع فكري أو سياسي، بينما يُنظر إلى المسلمين باعتبارهم كتلة اجتماعية ودينية متمايزة، ما يجعل التوتر تجاههم مختلفاً في طبيعته عن التوتر مع الجماعات الفكرية. وجاء بعد المسلمين في ترتيب الرفض: النشطاء البيئيون، وأنصار حزب البيئة، والقوميون، ثم المهاجرون عامة، ومؤيدو حزب اليسار.

وأشار معدّو التقرير إلى أن المواقف السلبية تجاه المسلمين لا ترتبط غالباً بعداء ديني مباشر، بل تتصل بما وصفوه بـ”صراعات الهوية الثقافية والاختلافات القيمية” التي تطفو على سطح النقاش العام في البلاد. ومع ذلك، فقد أعربت نسبة صغيرة من المشاركين عن رفضهم لفكرة أن يتمتع المسلمون بكامل حقوقهم الديمقراطية، خصوصاً في مجالات التمثيل السياسي وحرية إظهار المعتقدات الدينية علناً.



مصدر التقرير!

معد التقرير : ستين ويدمالم (Sten Widmalm) وتوماس بيرسون (Thomas Persson) – بعنوان : مسح المواطنين 2025 (Medborgarundersökning 2025) و يستند هذا التحليل إلى نتائج صادرة عن هيئة الدفاع النفسي السويدية، وهي مؤسسة رسمية تُعنى بدراسة توجهات الرأي العام والتحديات التي تمس الأمن المجتمعي. وأفاد التقرير بأن نسبة من يرون في الهجرة تهديداً للمجتمع تراجعت قليلاً من 33% في عام 2023 إلى 32% في عام 2024. وبينت النتائج أن الفئات الأكثر ميلاً إلى الخوف من المهاجرين هي الرجال وكبار السن والأشخاص ذوو التعليم المحدود، بينما بدت النظرة أكثر إيجابية بين الشباب وسكان المدن الكبرى والأفراد ذوي المستويات التعليمية الأعلى.

وحذّر الباحثون من أن الخشية من الهجرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالميل إلى تقبّل تقييد الديمقراطية أثناء الأزمات، حيث يُظهر من يخافون من المهاجرين استعداداً أكبر للموافقة على فرض قيود على الحريات السياسية أو المدنية. كما أشاروا إلى أن الأشخاص المولودين خارج أوروبا، أي من أصول شرق أوسطية أو إفريقية، كانوا ممثلين بنسبة أقل من نسبتهم الحقيقية في المجتمع داخل العينة المستطلعة، ما قد يعني أن بعض أصوات المهاجرين لم تنعكس بالكامل في النتائج.



الأمن قبل الحرية!

وللعام الثاني على التوالي، عبّر أكثر من نصف المشاركين (51%) عن تفضيلهم للأمن على حساب الحرية عندما يتعارض الاثنان، وهو توجه يُظهر تنامي القبول بفكرة اتخاذ تدابير سلطوية مؤقتة خلال الأزمات الأمنية أو الاقتصادية. كما لاحظ الباحثون أن الأفراد الذين يعبرون عن خوف أكبر من المهاجرين هم أنفسهم الأكثر استعداداً لقبول هذه القيود.
ورغم أن الغالبية الساحقة من المشاركين (89%) عبّروا عن دعمهم للديمقراطية كنظام حكم، إلا أن الدراسة رصدت تناقضات واضحة بين هذا الدعم المعلن وسلوك الأفراد تجاه الأقليات، ما يشير إلى تصدعات في الالتزام العملي بقيم المساواة في الحقوق السياسية. وحذر التقرير من أن مثل هذه التناقضات قد تُستغل من قبل أطراف داخلية أو خارجية لتغذية الانقسامات وزعزعة الثقة بالمؤسسات الديمقراطية، مؤكداً أن استقرار النظام السياسي في السويد يعتمد على تعزيز روح الانتماء والثقة والعدالة في توزيع الحقوق والمسؤوليات بين جميع الفئات.



الثقة المجتمعية والفجوة الثقافية!

أما على مستوى الثقة العامة بين الأفراد، فقد بقيت مستقرة عند حدود 60%، لكنها تنخفض بوضوح بين المهاجرين القادمين من خارج أوروبا، خصوصاً من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا. ويرى الباحثون أن هذا التفاوت في الثقة يعكس فجوة متنامية في الاندماج الاجتماعي، تحتاج إلى معالجة جادة لضمان استمرار التعايش بين مختلف المكونات الثقافية في البلاد.

وفي ختام التقرير، أكّد الخبراء أن السويد ما تزال قادرة على الحفاظ على نموذجها القائم على التعايش والتسامح، إلا أن ذلك يتطلب سياسات مدروسة تُواجه مشاعر الخوف وسوء الفهم، وتعمل على إعادة ربط الفئات المهمشة بالقيم الديمقراطية الجوهرية التي تأسس عليها المجتمع السويدي الحديث.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى