
المبعوث الأميركي يلوح بإعادة لبنان إلى “بلاد الشام سوريا” كــ “حل” نهائي لمشاكل لبنان
12/72/2025
أطلق المبعوث الرئاسي الأميركي توم باراك تحذيراً غير مسبوق حول مستقبل لبنان، معتبرًا أن استمرار أزمة سلاح حزب الله سيؤدي إلى فقدان لبنان لسيادته وانزلاقه نحو مصير مجهول، حيث ستتسابق القوى الإقليمية – من إسرائيل إلى إيران، وصولًا إلى سوريا – على ملء الفراغ.
لكن ما أثار الانتباه في تصريحاته هو الإشارة إلى أن لبنان قد “يعود إلى بلاد الشام”، وهي إشارة سياسية ثقيلة ذات دلالات تاريخية وجغرافية. فوفقاً لواشنطن بوست فعندما تتحول لبنان لدويلات لا دولة لبنانية سيكون الخيار وقتها أما لبنان إيراني أو لبنان إسرائيلي – أو العودة لما كان عليه .. جبل لبنان التابع لسوريا. فهذا الخيار هو الأكثر قبولاً ومنطقية حينها!
ماذا تعني “العودة إلى بلاد الشام”؟ وهل لبنان كان جزءاً منها؟
بلاد الشام مصطلح جغرافي وتاريخي يشير إلى الإقليم الذي يضم سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين، وقد كان لبنان جزءاً لا يتجزأ من هذا الكيان الجغرافي والثقافي قبل أن يُرسم على شكل دولة مستقلة في عشرينيات القرن الماضي عقب تقسيمات سايكس-بيكو والاستعمار الفرنسي.
تصريحات باراك توحي بأن لبنان مهدد بفقدان استقلاله الحالي والذوبان من جديد في محور تقوده دمشق، تحديدًا مع تنامي النفوذ الإيراني وغياب سيطرة الدولة على الأرض والسلاح. فالمخاوف لم تعد مقتصرة على التهديد الإسرائيلي، بل تشمل تمدداً سورياً سياسياً وأمنياً، يتغذى من الفوضى وضعف القرار اللبناني. ولكن هذه ستكون مكافأة لدمشق التي تخضع لسلام كامل مع غسرائيل وتطبيع أمني وعسكري والتنازل عن أراضى سورية “جولان ومناطق أخرى” بجانب تسليم الخط الحدودي اللبناني لصالح الدولة الإسرائلية.
التهديد لا يأتي من الخارج فقط
المبعوث الأميركي لمّح بشكل واضح إلى أن أزمة السلاح غير الشرعي لم تعد مسألة داخلية يمكن تجاهلها أو تحييدها بالتصريحات، بل تهديد فعلي لوجود الكيان اللبناني كدولة مستقلة. ورأى أن الانقسام حول نزع سلاح حزب الله لا يهدد فقط استقرار لبنان، بل قد يُشعل حربًا أهلية جديدة، خاصة في ظل تعثّر الدولة وفقدان مؤسساتها القدرة على فرض قراراتها.
مجاملات سياسية أم شلل حكومي؟
مقابل هذا التحذير الحاد، تبدو السلطات اللبنانية عالقة في حلقة مفرغة من المجاملات السياسية والشعارات الفارغة. ففي حين تقدمت الحكومة بمبادرة تدعو إلى “تفكيك السلاح في الجنوب”، إلا أن إسرائيل تشترط نزعه بالكامل من كامل الأراضي اللبنانية.
الردود اللبنانية حتى اللحظة، بحسب مراقبين، تعكس حالة إنكار أو تدليس للأزمة، وتحاول تقديم حلول تجميلية لا تمس جوهر المشكلة، أي سلاح حزب الله المترسخ في معادلة السلطة.
الجيش اللبناني… بين التهديد والدعم المشروط
رغم تأكيدات واشنطن أن الجيش اللبناني يُعد شريكًا موثوقًا، إلا أن المبعوث الأميركي شدد على أن هذا الجيش يفتقر إلى التمويل والموارد، وهو ما يجعله غير قادر بمفرده على تنفيذ مهمة نزع السلاح.
وحتى عندما سعت الولايات المتحدة لحشد دعم خليجي لصالح الجيش، اصطدمت بمخاوف عربية من أن ينتهي هذا الدعم في جيوب النخبة السياسية الفاسدة، وليس في يد مؤسسة عسكرية فعالة.
سيناريو نزع السلاح تحت إشراف دولي
باراك تحدث عن طرح يتضمن آلية رقابة دولية تشمل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، إلى جانب الجيش اللبناني، لضبط عملية نزع الأسلحة الثقيلة من حزب الله، وتخزينها في مستودعات خاضعة للمراقبة.
لكن هذا السيناريو، رغم ما فيه من دعم تقني، يبدو أقرب إلى الحلم في ظل المعادلات الحالية.
هل نحن أمام تفكك الدولة وانبعاث “سوريا الكبرى”؟
الخلاصة أن حديث باراك لم يكن تحذيراً فنياً أو دبلوماسياً، بل جرس إنذار حقيقي بأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقود لبنان إلى تفكك الدولة وميلاد كيان جديد داخل جغرافيا الشام السياسية، تحت سيطرة قوى إقليمية متنافسة.
وبدل أن تواجه الحكومة هذا التهديد بجديّة، فإنها تغرق في بيانات الإنكار والمساومات، مكرّسة بذلك فكرة أنها حكومة تُدار بعقلية “مراعاة الخواطر” وليس بحسّ المسؤولية الوطنية.
لبنان لا يحتاج اليوم إلى وثائق دبلوماسية جديدة، بل إلى قرار سيادي حاسم يعيد الدولة إلى موقع الفعل لا التبرير.
وإلا فإن ما يُحذر منه باراك – عودة لبنان إلى الشام – قد لا يبقى مجرد توقع… بل واقعاً جيوسياسياً قادماً.