
وزيرة الاندماج السويدي “موهامسن”: ميزانية بـ 5 ملايين كرون لاستطلاع يرصد قيم المهاجرين
أثارت وزيرة التعليم والاندماج السويدية سيمونا موهامسون، وهي من خلفية مهاجرة عربية فلسطينية لبنانية مسلمة، نقاشاً واسعاً بعد إعلانها عن تمويل استطلاع جديد للرأي من خلال شبكة World Values Survey، بمبلغ يصل إلى 5 ملايين كرونة، يهدف إلى قياس قيم المهاجرين في السويد التي تؤثر على اندماجهم!.
لكن ما أثار الانتباه ما الهدف من قياس قيم المهاجرين الخاصة؟ فقيم المهاجرين في السويد مختلفة فالمسيحي الشرقي يختلف عن المسلم الشرقي يختلف عن القادم من وسط أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو من الهند ووسط أسيا ، ولكن ربما المقصود المهاجرين من الفئة الأكبر وهم مسلمين الشرق الاوسط العربي.
لكن الأكثر أهتماماً حسب الكاتب السويدي Lars Pettersson خلفية الوزيرة الشخصية: إذ أن عائلتها كانت تحمل في السابق اسم “محمد”، لكنها غيّرته إلى “موهامسون” عند وصولها إلى السويد، في خطوة وُصفت بأنها محاولة للاندماج وتجنب التحيز. بمعنى هل تجد الوزيرة أن القيم والاندماج تبدا مثلا من تغيير الاسم والهوية؟
لماذا تغيّر الاسم؟ وهل التغيير مفيد؟
من الناحية الفردية، ويقول Lars Pettersson تغيير الأسماء من “محمد أو علي” إلى “موهامسون” أو غيرها من الأسماء السويدية الشبيهة ليس أمراً نادراً بين بعض العائلات المهاجرة، خصوصاً أولئك الذين يسعون إلى تفادي العوائق المرتبطة بسوق العمل أو المجتمع بشكل عام. لكن السؤال العميق هو: هل هذا التغيير يحقق نتائج حقيقية؟ لماذا لا تتحدث الوزيرة عن تجربة الاندماج الشخصية من محمد إلى موهامسون هل الاسم العربي أو المسلم قد يُشكّل عبئاً أو عائقاً في مسار الحياة المهنية أو الاجتماعية. هذا ربما أكثر فائدة من ميزانية 5 ملايين كرون تدفع من أموال دافعي الضرائب في السويد!
الاستطلاع الجديد: أداة للفهم أم للتصنيف؟
وعودة للاستطلاع الذي تم اعتماد 5 ملايين كرون لتنفيذه ، فإن تكليف الحكومة لشبكة World Values Survey بإجراء هذا الاستطلاع يعكس تحولاً في طريقة التفكير: من السياسات العشوائية إلى محاولة قياس الواقع بالأرقام. لكن هناك مشكلة جوهرية: هل الاستطلاعات التي تسأل الناس عن آرائهم في قضايا مثل الشرف، المثلية، أو المساواة، تعكس الواقع الفعلي؟ هل المشكلة متعلقة فقط بالمهاجر وليس أيضاً بخصائص المجتمع السويدي؟
الدراسات المتوفرة في السويد – ومنها ما نشرته جامعة لوند – أظهرت أن التمييز في سوق العمل بناءً على الاسم ما يزال قائماً. طلبات التوظيف التي تحمل أسماء عربية أو مسلمة تحظى بنسبة أقل في تلقي الردود مقارنة بتلك التي تحمل أسماء سويدية تقليدية، حتى لو تساوت المؤهلات. هذا يعني أن تغيير الاسم قد يساعد في تجاوز “الفرز الأولي” أو الانطباع الأولي، لكنه لا يضمن اندماجاً حقيقياً أو قبولاً كاملاً.
إذن، إذا كان تغيير الاسم “مفيداً” من الناحية العملية في بعض المجالات، فهو مفيد فقط لأنه يخفف من أثر التمييز، لا لأنه يلغي التمييز نفسه. وهذا يطرح سؤالاً حساساً: هل الحل هو أن يُغيّر المهاجرون هوياتهم لكي يتجنبوا التمييز؟ أم أن المطلوب هو تغيير البنية الاجتماعية والمؤسساتية التي تسمح بحدوث هذا التمييز؟
الكاتب السويدي “ماتياس بريد” انتقد أيضاً الفكرة باعتبارها أقرب إلى “استعراض انتخابي” وما تفعله الوزيرة يركز على قضايا حساسة ثقافياً (مثل قمع الفتيات أو الميول الجنسية -وربما الهوية الدينية )، لكنه يتجاهل السلوكيات اليومية الأكثر تأثيراً في تعطيل الاندماج الحقيقي، مثل ضعف المهارات واللغة وضعف دراسة المهاجر ، بجانب التمييز في المؤسسات، وضعف الثقة في المهاجر حتى لو كان عامل ماهر أو لديه مؤهل دراسي جيد ، بجانب ضعف فرص العمل نفسها ، والعنصرية المستترة.
الواقع أن كثيراً من الدراسات السابقة أظهرت أن قيم المهاجرين تتغير تدريجياً بمرور الوقت، وأنه بعد عشر سنوات من العيش في السويد، تصبح مواقفهم الاجتماعية أقرب بكثير إلى الأغلبية السويدية مع الحفاظ على هويتهم الخاصة كالدين . لكن الوزيرة ترى أن انتظار عشر سنوات طويلة جداً لجيل يتعرض في الوقت الحالي للحرمان من حقوق أساسية بمعنى ان التغيير يجب ان يكون اسرع بكثير.
السؤال الأهم الذي يطرحه هذا الجدل: هل المهاجر في السويد مطالب بتغيير اسمه، لغته، مظهره، وقيمه ليُقبل؟
أم أن السويد، كمجتمع، بحاجة إلى التوقف عن مطالبة الناس بـ”الذوبان” الكامل مقابل الاعتراف بهم؟
ما تقوم به الوزيرة من خطوات قد يُنظر إليه على أنه سعي لتسريع مسار الاندماج عبر قياس مدى الانسجام القيمي بين السكان. لكنه في المقابل يعيد فتح الجرح المتعلق بالهوية والانتماء، ويطرح معادلة معقدة: هل يجب أن “تتخلى” عن جزء من ذاتك لتندمج؟ وهل من لا يفعل ذلك يظل دوماً على الهامش؟