
700 ألف فقير.. الفقر في السويد يشهد ارتفاعاً غير مسبوق حالياً في 2025
تشير أحدث البيانات الصادرة عن SCB ويوروستات إلى أن الفقر في السويد يشهد ارتفاعاً غير مسبوق حاليا في 2025 وهو الارتفاع الأكبر منذ تسعينيات والأزمة المالية. ففي عام 2021، وهو العام الأخير لحكم الاشتراكيين (S)، كانت نسبة من يعجزون عن تأمين 5 من النفقات الاساسية من أصل 13 نفقات ضرورية لا تتجاوز 3.5 بالمئة من السويديين. أمّا اليوم في 2025، وبعد ثلاث سنوات من تولّي حكومة المحافظين وحلفائهم الحكم بدعم من حزب سفاريا ديمقارترنا SD، تضاعفت النسبة لتصل إلى 6.6 بالمئة، أي ما يقارب 700 ألف شخص سويدي فقير غير قادرين على تغطية الاحتياجات الضرورية للحياة اليومية.
ورغم أن الحكومة الحالية تؤكد أن الأزمة ناتجة عن “تراكمات طويلة” تركتها الحكومات السابقة، فإن خصومها يشيرون إلى أن الواقع تطوّر في عهدها، وبالتالي تتحمل مسؤولية تباطؤ الإصلاحات وازدياد الأعباء على الفئات الأضعف. وبين هذين الرأيين تبقى النتيجة واحدة: تضاعف الفقر في فترة سياسية تقودها كتلة يمينية مدعومة من حزب SD الذي يؤثر بوضوح على اتجاه القرارات الاجتماعية والاقتصادية.
ارتفاع الفقر: من أرقام مجردة إلى معاناة يومية
الفقر الذي يتوسع في السويد يُصنّف كـ فقر مادي واجتماعي، وهو شكل من أشكال العوز يجبر الإنسان على التخلي عن حاجات أساسية مثل:
- تسديد الفواتير
- شراء أثاث بديل
- تناول طعام كافٍ بشكل منتظم
- القدرة على التعامل مع مصاريف طارئة
هذا النوع من الحرمان لم يعد حالة فردية، بل أصبح واقعاً يعيشه مئات الآلاف. ويؤكد يوناس ريدبيريغ، الأمين العام لمنظمة ستادسميشنن، أن السويد لم تشهد قفزة بهذا الحجم منذ أزمة التسعينيات، قائلاً إن “العاصفة الحالية لم يتوقع أحد أن تكون بهذا العمق”.
حكاية يوهانا… نموذج لآلاف الأسر التي سقطت تحت خط الفقر
“لولا التبرعات لما تمكنت من الاستمرار” — بهذه الجملة تلخّص يوهانا، أم لطفلة في منتصف الثلاثينيات، واقعها المرير.
دخلها الشهري، والذي يعتمد على إعانة المرض الطويل، لا يغطي إلا جزءاً من الـ 13 بنداً الأساسية التي تعتمد عليها الجهات الرسمية لقياس الفقر.
وتروي أنها تنهار مادياً قبل أسبوعين من موعد الصرف التالي، فتلجأ إلى جمعيات خيرية أو قروض صغيرة من معارفها. وهي ليست حالة نادرة؛ فمجموعات الفيسبوك التي تجمع المحتاجين أصبحت مكتظّة، والمنافسة على الدعم الخيري صارت “قاسية”، كما تصفها يوهانا.
إضافة إلى ذلك، تواجه المرأة صعوبات كبيرة في الحصول على المساعدات الاجتماعية من السوسيال، إذ رُفضت طلباتها أكثر من مرة بحجة امتلاكها قروضاً أو لاعتبار أن لديها نفقات كان يجب التخطيط لها مسبقاً.
السوسيال أكثر تشدداً… والنتيجة أن المزيد من المواطنين فقراء
تؤكد ستادسميشنن أن البلديات باتت تعتمد قراءة أكثر صرامة لـ “خط المعيشة”، وهو المعيار الذي يُبنى عليه قرار منح مساعدات الإعالة. العديد من الحالات تُطلب منها بيع سياراتها أو ممتلكات بسيطة قبل التفكير في تقديم أي دعم.
وتشير المقابلات العميقة التي أجرتها المنظمة مع المتضررين إلى أن الكثيرين يشعرون بأنهم “موضع شك” عند تقديم الطلب، ويتعرضون للتدقيق في كل صغيرة وكبيرة، في مشهد يعكس ضغط الميزانيات المحلية وضعف أنظمة الدعم.
أسباب الأزمة: بين التحليل الاقتصادي والسياسة
بحسب الخبراء، يقف وراء القفزة في الفقر عاملان متداخلان:
1. تراجع تدريجي في قوة دولة الرفاه
نظام الدعم الاجتماعي لم يعد قادرًا على مجاراة ارتفاع الأسعار، خصوصاً أسعار الغذاء التي تُشكّل النسبة الأكبر من إنفاق الأسر الفقيرة.
2. صدمات اقتصادية متتالية
- جائحة كورونا
- موجة التضخم
- ارتفاع الفوائد
- ركود سوق العمل
هذه الضربات المتتابعة استنزفت مدخرات الأسر ذات الدخل المحدود، لتجد نفسها بلا أي هامش مالي.
3. البعد السياسي: هل كانت سياسات الحكومة الحالية جزءاً من المشكلة؟
منذ أواخر 2022 وحتى اليوم، يقود البلاد تحالف يميني بدعم من حزب سفاريا ديمقارترنا SD.
ومع أن الحكومة ترى أن جذور الأزمة تعود لما قبلها، فإن أرقام الفقر تُظهر بوضوح أن التدهور الأكبر وقع خلال فترة حكمها.
هناك وجهتا نظر رئيسيتان:
- رأي يقول: “الفقر نتيجة تراكم سياسات استمرت 20 عاماً، والحكومة الحالية ورثت المشكلة.”
- ورأي آخر يؤكد: “التحالف الحالي لم يقدم حلولاً فعّالة، بل شدّد أنظمة الدعم، مما زاد الأزمة سوءاً.”
وفي النهاية، المتغير السياسي الحاسم في هذه الولاية هو النفوذ الكبير لحزب SD الذي يركز على قضايا الهجرة والأمن أكثر من السياسات الاجتماعية، وهو ما يراه البعض سبباً في تراجع الاهتمام الحكومي بالفقر.
الفقر الحاد… تضاعف أيضًا
تشير الأرقام إلى أن المجموعة التي تعيش “فقرًا شديدًا” — أي من لا يستطيعون تغطية 7 بنود أساسية أو أكثر — ارتفعت من 1.4% في 2021 إلى 3% في 2024.
وهذا يعني أن 300 ألف شخص يعيشون حالة حرمان خطيرة تمسّ صحتهم، غذاءهم، ومسكنهم. كما أن جزء كبير من دخل يوهانا يذهب إلى السكن. شقتها الصغيرة كانت تكلف 8100 كرون، وبعد عامين أصبحت 9600 كرون.
ورغم الصعوبات، تقول يوهانا إنها تحاول الحفاظ على الأمل، خصوصاً لأنها مسؤولة عن طفلة صغيرة. ومع أنها أصبحت تضطر لزيارة ثلاث متاجر غذائية في اليوم الواحد بحثاً عن خصومات، إلا أنها تؤكد أن الحديث عن الفقر وعدم الخجل منه هو أول خطوة نحو الحصول على المساعدة.









