
هل الشعب السويدي بطيء فعلا ! مقال مترجم لكاتب سويدي
وجهة نظر الكاتب في هذا المقال تحاول تفكيك فكرة شائعة بين المهاجرين الجدد في السويد، وهي أن “الموظف والعامل السويدي بطيء في عمله”. لكن السؤال الحقيقي الذي يطرحه الكاتب هو: هل السويديون فعلاً بطيئون؟ أم أن القادم من الشرق معتاد على وتيرة أسرع تجعله يرى الأمور في السويد أبطأ مما هي عليه؟
هل الموظف أو الإنسان السويدي بطيء فعلاً؟ أم أن الأجنبي المهاجر القادم من الشرق دائمًا في حالة استعجال وفي “عَجَلَةٍ من أَمْرِهِ”؟ لم يتطرق الكاتب في مقالته إلى تحديد من هو الأجنبي المقصود، إلا أنه أشار إلى القادمين الجدد، في إشارة واضحة إلى المهاجرين، ومن المعروف أن أغلبهم قادمون من الشرق. لذلك سنستخدم في هذا المقال كلمات مثل “القادمون الجدد”، و”الأجانب”، و”المهاجرون” وغيرها للدلالة على فئة المهاجرين في السويد.
المقال يناقش سبب اتهام القادمين الجدد من المهاجرين لموظفي المؤسسات السويدية أو موظفي الخدمات العامة في السويد بالبطء الشديد، وهل هذا بسبب أن الشعب السويدي فعلاً بطيء؟ أم أن المهاجر الجديد هو من يكون دائمًا في “عَجَلَةٍ من أَمْرِهِ”؟
ينقلنا الكاتب في مقالته إلى مشاهد من هذه الاتهامات فيقول:
نجد أن الأجنبي الجديد في السويد لا يتقبل طابور الدفع في السوبرماركت، وبرغم أن السويديين أنفسهم يشعرون بالتململ من هذه الطوابير، إلا أن بعض القادمين الجدد يشعرون بالغضب منها ويعتبرونها بطيئة، ويرون هذا البطء جزءًا من طبيعة السويدي البارد مثل أجواء السويد نفسها.
كما أن حالة الغضب تمتد إلى أوقات الانتظار في مكاتب الدولة، مثل مصلحة الضرائب ومكتب العمل و”الفورشيكنينغ كاسا” (Försäkringskassan). وتجد العديد من التعليقات بين الأجانب الجدد في السويد حول بطء تنفيذ الخدمات مثل إصلاح السيارات أو الخدمات المنزلية وغيرها. وهنا يتساءل الكاتب: هل السويديون حقًا شعب بطيء؟
ويقول الكاتب: خلال زيارتي للهند والأردن والمغرب ومصر، وجدت أن الحياة هناك صاخبة إلى حد الفوضى، لكن الجميع يعرف ما عليه فعله!
إن سرعة العاملين هناك فائقة في إنجاز الخدمات، إذ يمكنهم إنهاء خمس خدمات في الوقت الذي قد يستغرقه موظف سويدي لإنجاز خدمة واحدة. وهذا أمر جيد من حيث السرعة، لكني لاحظت انخفاضًا كبيرًا في جودة الخدمات المقدمة، فضلًا عن انخفاض الكلفة ومستوى السلامة في بيئة العمل وغياب التنظيم.
ويعلق الكاتب ساخرًا على نفسه قائلاً: “استغرق مني كتابة هذا المقال ثلاثة أيام… أشعر بالبطء فعلًا!”
ويتابع: المشكلة ليست في البطء، بل في ثقافة بيئة العمل. فضعف الدخل وغياب الضمان الاجتماعي في حال البطالة، وغياب التنظيم والرقابة على جودة الخدمة، جعل العامل في الدول النامية أكثر خوفًا من فقدان مصدر دخله، وأكثر سرعة في السعي للحصول على دخل أكبر، مما يدفعه لإنجاز العديد من المهام على حساب الجودة.
ودون وجود رقابة حقيقية، يكون العامل في سباق دائم مع الزمن لتحصيل المال أو إنجاز العمل. أما في المقابل، فإن العامل في السويد، سواء كان سويديًا أو مهاجرًا، أقل سرعة، لأنه يمتلك حدًا أدنى من الدخل والضمان الاجتماعي، وتخضع خدماته للرقابة، لذلك فهو ليس في “عَجَلَةٍ من أَمْرِهِ”.
ويضيف الكاتب: بيئة العمل السريعة في دول الشرق انتقلت أيضًا إلى البيئة الاجتماعية، فكيف ذلك؟
نجد أن الأجنبي (المهاجر) قد ينزعج من تأخر القطار أو الحافلة بضع دقائق، ويغضب – وهو أمر من حقه من منطلق الحقوق المدنية – لكنه في المقابل لا يرى بأسًا في تأخره هو نفسه دقائق عن موعد اجتماعي أو عمل!
ويقول الكاتب: عندما كنت في عدد من الدول النامية، لاحظت أن التأخير هو القاعدة الأساسية لدى الجميع، فالساعات تُعامل كالدقائق، والدقائق كالثواني. ومن العبارات الشائعة هناك أن يقول لك الموظف أو العامل “انتظر دقيقة”، فتجد نفسك تنتظر ساعة أو طوال اليوم!
هذا هو الواقع الطبيعي في العديد من دول الشرق النامي، حيث لا توجد مواعيد دقيقة للباصات أو وسائل النقل أو حتى المقابلات الحكومية. يجب أن تمتلك مهارة اجتماعية عالية لفهم كيف يُدار الوقت في تلك المجتمعات!
ويتابع الكاتب في مقطع آخر: أتذكر في إحدى الدول النامية أنني ركبت وسيلة نقل خاصة، ورفض السائق التحرك قبل أن يكتمل عدد الركاب في الحافلة الصغيرة التي يعمل عليها. هذا أمر لا يمكن أن يحدث في السويد، فوسائل النقل هنا تتحرك حتى لو كان فيها راكب واحد فقط.
لقد انتظر السائق في باصه الصغير 29 دقيقة حتى اكتمل العدد. أوووه، إنه ليس في عجلة من أمره! لماذا؟ لأنه ينتظر إتمام عمله بالكامل للحصول على الربح، فلا ضمان اجتماعي سيعوّضه إن فشل في تحقيقه.
وبالتالي، فالشعور بالاستعجال ليس حقيقيًا، بل هو ثقافة مكتسبة من البيئة والمجتمع.
ويؤكد الكاتب: ما أريد قوله هو أن اختلاف البيئة الثقافية واختلاف بعض المفاهيم لا يجب أن يُترجم إلى اتهامات متبادلة. فكل إنسان يحمل داخله تكوينًا ثقافيًا اجتماعيًا تتحكم فيه البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه، ومن السهل مع الوقت إعادة ضبط هذه العادات والمفاهيم.
وأثناء عودتي إلى السويد بعد رحلتي الطويلة، وجدت نفسي أشتري قطعة من الحلوى من متجر قبل الدخول إلى المطار، فلاحظت أن البائع بطيء. لم أتحمل، نعم لم أتحمل هذا العامل البطيء، فقلت له باللغة الإنجليزية: “أرجوك، أنا بعجلة من أمري، لدي طائرة”. فقام بتقديم الحلوى بسرعة فائقة، أخذتها وجلست أتناولها مبتسمًا، فموعد طائرتي بعد خمس ساعات من الآن!
ويختم الكاتب مقاله قائلًا: هذا المقال هو رد على عضو حزب سفاريا ديموكراتنا (Sverigedemokraterna) الذي يتهم المهاجرين في السويد بأنهم غير راضين وغير ممتنين للنموذج السويدي.
فالأمر ليس كذلك! ليس كما تعتقد! المسألة ببساطة اختلاف في الثقافة الاجتماعية وأسلوب الحياة الذي ترسخ اجتماعيًا واقتصاديًا في مفاهيم السرعة والبطء في إنجاز المهام.
فلا السويدي بطيء، ولا المهاجر في “عَجَلَةٍ من أَمْرِهِ”.