
مهاجر رائد أعمال يتم ترحيله من السويد.. فتستقبله إستونيا وتسمح له بالبقاء!
لم يكن قرار المغادرة سهلاً بالنسبة لرائد الأعمال “ميلو” ، لكنه مغادرة السويد جاء بعد سنوات من المحاولات الفاشلة داخل النظام السويدي. فعندما أغلقت القوانين المعقدة والقيود الإدارية كل المنافذ أمام حصول “ميلو” حق الإقامة ، لم يجد خيارًا سوى الرحيل، ليبدأ من جديد في دولة أخرى وجدت في عمله كــ رائد أعمال فرصة لا عبئًا. ميلو، الذي يصف السويد بأنها البلد الأقرب إلى قلبه من بين كل الأماكن التي عاش فيها، قال في حديث صحفي إنه غادر مضطر لأن سياساة الهجرة السويديى لم تمنحه فرصة حقيقية للحصول على إقامة. ورغم حبه للحياة في السويد، إلا أن الواقع القانوني والإداري في السويد فاشل ومدمر لرواد الأعمال المهاجرين.
وصل ميلو رادولوفيتش إلى السويد قبل نحو 13 عامًا قادمًا من الجبل الأسود، بعد حصوله على منحة أوروبية لدراسة الماجستير في مدينة فيستيروس (Västerås). خلال سنوات دراسته، تعرّف على المجتمع السويدي، واندمج فيه، وبدأ يخطط لمستقبله المهني داخل البلاد. بعد التخرج، لم يكن طموحه مجرد وظيفة تقليدية، بل كان يسعى لتأسيس شركته الخاصة في السويد. غير أن الواقع لم يكن مشجعًا. فخلال عام واحد فقط، حصل على ثلاث وظائف مختلفة، ومع ذلك لم يتمكن من الحصول على تصريح إقامة دائم يسمح له بالبقاء والعمل بشكل مستقر. تكرار الرفض، وتعقيد الإجراءات، وعدم وضوح المسارات القانونية لرواد الأعمال، جعلت محاولاته تصطدم بجدار صلب من البيروقراطية.
مشروع يولد خارج السويد!
في نهاية المطاف، اضطر ميلو إلى العودة إلى بلده الأم. وهناك، لم يتخلَّ عن فكرته، بل بدأ بتنفيذها. أسس شركته Marleq، وهي شركة تقدم خدمات تدريب وتأهيل ودعم للباحثين عن عمل حول العالم. ما بدأ كمبادرة صغيرة، تحوّل خلال فترة قصيرة إلى شبكة دولية. الشركة انطلقت بعشرة مدربين في عشر دول، ثم توسعت تدريجيًا لتضم اليوم نحو 30 مدربًا يعملون في أكثر من 20 دولة، من بينها كندا وأستراليا ودول في الشرق الأوسط وأفريقيا. المفارقة أن المشروع الذي حلم أن يولد في السويد، نما ونجح بعيدًا عنها.

عودة مؤقتة… وعقبات متكررة!
لاحقًا، أُتيحت لميلو فرصة العودة إلى السويد عبر برنامج أوروبي مخصص لدعم رواد الأعمال. دخل البلاد ومعه خطة عمل واضحة وميزانية تكفي لتغطية ستة أشهر من النشاط. لكن مصلحة الهجرة السويدية منحته تصريح إقامة لمدة ثلاثة أشهر فقط. خلال هذه الفترة القصيرة، اضطر إلى زيارة مكاتب الهجرة 11 مرة، في محاولة لتسوية وضعه القانوني، وهو ما جعله غير قادر على التركيز على تطوير شركته أو تسويقها. وفي النهاية، أدرك أن المعركة خاسرة، خصوصًا بعد أن اصطدم بشرط مالي أساسي، يتمثل في ضرورة امتلاك رأس مال لا يقل عن 200 ألف كرون سويدي للحصول على تصريح إقامة كرائد أعمال، وهو مبلغ لم يكن متوفرًا لديه.
إستونيا… عندما تصبح الدولة شريكًا!!
بعد خروجه من السويد، اتجه ميلو إلى إستونيا، وهناك كانت التجربة مختلفة تمامًا. خلال فترة قصيرة، حصل على تأشيرة ستارت أب، بعد أن عرض فكرته على لجنة متخصصة بتقييم المشاريع الريادية. في إستونيا، مُنح عامًا كاملًا لاختبار فكرته، وبناء فريق عمل، والتواصل مع مستثمرين. وهو ما اعتبره نموذجًا ذكيًا لجذب المواهب من مختلف أنحاء العالم. ويرى ميلو أن الفرق الجوهري بين البلدين هو أن إستونيا تنافس بقوة على استقطاب العقول، بينما تعتمد السويد على سمعتها القديمة دون أن تطور أدواتها.
تحذير من تراجع صورة السويد
بحسب ميلو، فإن السويد بدأت تفقد مكانتها كبيئة جاذبة للابتكار. فالشركات الناشئة، بحسب قوله، لم تعد تنتظر طويلًا، بل تتجه إلى دول تقدم مسارات أوضح ودعمًا أسرع. وأشار إلى أن العاصمة الإستونية تالين (Tallinn)، رغم صغر حجمها، تضم أكثر من 1500 شركة ناشئة، وتشهد بشكل منتظم فعاليات تجمع رواد أعمال من مختلف دول العالم، بدعم مباشر من جهات حكومية. ويقول إن منظومة الابتكار هناك واضحة المعالم، بينما يفتقد السويد إلى رؤية مماثلة على أرض الواقع.
خبراء: المشكلة أوسع من حالة فردية
قصة ميلو، بحسب مختصين، ليست استثناءً. أوميد إخلاصي، مؤسس ومدير منصة Techarena السويدية، أكد أن البيروقراطية تدفع أعدادًا متزايدة من رواد الأعمال لمغادرة البلاد. وأوضح أن القوانين الحالية لا تراعي طبيعة الشركات الناشئة، خاصة في مراحلها الأولى، حيث يشكل شرط امتلاك 51% من أسهم الشركة عائقًا حقيقيًا أمام جذب المستثمرين. وأشار إخلاصي إلى أن كثيرًا من هؤلاء الرواد يتم استقطابهم لاحقًا من دول أخرى، بعد أن يفقدوا الأمل في النظام السويدي. وختم بالتحذير من أن السويد بحاجة ماسة إلى تأشيرة خاصة برواد الأعمال، وإلى سياسات تشجع الخريجين الدوليين على البقاء، مؤكدًا أن السباق العالمي على الابتكار لا ينتظر المترددين.









