تجارب اجتماعية وتجارية

من اللجوء إلى ريادة الأعمال: قصة لاجئ سوري أسس شركته في السويد وحقق نجاح

في عام 2015، وصل يوسف بيروتي  إلى السويد كآلاف اللاجئين السوريين، لا يملك أي شيئ لإلا الطموح,, حاملاً معه خبرة مهنية عميقة، لكن من دون لغة، ولا شبكة علاقات، ولا معرفة بالقوانين أو سوق العمل، ولا رأس مال حقيقي. كان واحداً من أولئك الذين يبدأون من الصفر المطلق في مجتمع جديد كلياً، بثقافته ونظامه وأسلوب حياته.  اليوم، وبعد سنوات قليلة فقط، بات يوسف واحداً من رواد الأعمال الجدد في مدينة إسكيلستونا – Eskilstuna، يدير ورشته الخاصة للأعمال الحجرية والرخام في منطقة تورشيلا – Torshälla، ويستعد لتوظيف أول عامل لديه. قصة تبدو عادية في تفاصيلها، لكنها استثنائية في دلالاتها.





وفي منشور له على صفحته في فيسبوك، كتب الوزير: “من سوريا التي مزّقتها الحرب إلى صاحب مشروع ناجح في إسكيلستونا“. وأضاف أنه استمع خلال الزيارة إلى قصة التحوّل التي عاشها يوسف بيروتي، وذلك في إطار جولته الهادفة إلى لقاء رواد أعمال مهاجرين استطاعوا بناء مشاريع ناجحة في السويد.

وزير الهجرة السويدي يزور يوسف في مقر عمله




يوسف، البالغ من العمر 31 عاماً، ينتمي إلى عائلة امتهنت العمل بالحجر عبر ثلاثة أجيال. يقول إن علاقته بالمهنة بدأت منذ كان في العاشرة من عمره، حين كان يرافق والده إلى موقع العمل في سوريا، حيث تعلّم أساسيات المهنة عملياً، خطوة بخطوة.
ورغم الحرب واللجوء والانقطاع القسري عن الوطن، لم تنقطع علاقته بالمهنة. بعد وصوله إلى السويد، عمل لمدة ست سنوات في أحد مشاغل الحجر السويدية، يتعلم النظام، ويطوّر مهاراته، ويفهم سوق العمل المحلي، في وقت كان فيه كثيرون يشككون في قدرة اللاجئين على الاندماج المهني الحقيقي.




من عامل إلى صاحب عمل!

بعد سنوات من التحضير، والبحث عن موقع مناسب، وتأمين الآلات، واستيراد المواد، وبالاستعانة بخدمات مركز دعم رواد الأعمال الجدد في إسكيلستونا – Nyföretagarcentrum Eskilstuna، اتخذ يوسف الخطوة الحاسمة، وأسس شركته الخاصة في عام 2021 تحت اسم Eskilstuna sten och marmor.

يوسف مع عملاءه واعماله التي قام بتنفيذها

اليوم، ينتج يوسف كل شيء تقريباً: من أسطح المطابخ إلى شواهد القبور، جامعاً بين الحرفة التقليدية والدقة التي يفرضها السوق السويدي. وفي الوقت الذي يدير فيه شقيقه ورشة مشابهة في سوريا، يدير هو مشروعه الخاص في السويد، في صورة رمزية لتواصل العمل رغم الجغرافيا واللجوء.




قصة يوسف ليست استثناءً. مدينة إسكيلستونا شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الشركات الجديدة، حيث زاد الإقبال على تأسيس المشاريع الخاصة بنسبة 20٪ خلال عام واحد فقط. أكثر من نصف طالبي الاستشارات هم من المولودين خارج السويد.

يوسف وعائلته




بحسب القائمين على دعم رواد الأعمال، فإن كثيراً من المهاجرين واللاجئين يلجؤون إلى تأسيس أعمالهم الخاصة بدافع الضرورة لا الرفاهية، بعد سنوات من الخبرة العملية التي لا تترجم دائماً إلى وظائف بسبب اللغة أو التمييز أو تعقيدات سوق العمل.

اللافت أن نحو 80٪ من هذه الشركات تستمر وتنجح بعد خمس سنوات، وهو رقم يفوق التوقعات، ويدحض الصورة النمطية التي تختزل الهجرة في الفشل أو العبء الاقتصادي.




أين الإعلام من هذه القصص؟

رغم هذا الواقع، لا تحظى قصص النجاح هذه بالاهتمام الإعلامي والسياسي الذي تحظى به أخبار الجرائم أو الاحتيال أو المشكلات المرتبطة بالهجرة. يتم التركيز المكثف على السلبيات، بينما تُهمَّش قصص اللاجئين الذين بنوا أنفسهم، وخلقوا فرص عمل، وساهموا في الاقتصاد المحلي، ودفعوا الضرائب، واندمجوا فعلياً في المجتمع. هذا الخلل في التوازن لا يخدم الحقيقة، ولا يساعد على نقاش عادل حول الهجرة، بل يرسّخ صورة أحادية تتجاهل آلاف النماذج المشابهة ليوسف.




من لاجئ إلى مساهم في المجتمع

يوسف اليوم لا يرى نفسه مجرد ناجٍ من الحرب، بل جزءاً فاعلاً من المجتمع السويدي. يحلم بتوسيع عمله، وتدريب عمال جدد، ونقل خبرته إلى جيل آخر، تماماً كما فعل والده معه قبل عقود في سوريا. قصته تذكير واضح بأن اللاجئ ليس رقماً في إحصائية، ولا عبئاً دائماً، بل طاقة كامنة، تحتاج فقط إلى فرصة عادلة، ومساحة للعمل، ونظرة أقل اختزالاً.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى