تجارب اجتماعية وتجارية

من السويد إلى تنزانيا: قصة أحمد السوري الذي وجد ثروته لتصدير “الكاجو” للسويد

في الوقت الذي يتجه فيه كثيرون شمالًا بحثًا عن فرص العمل والاستقرار في أوروبا، اختار أحمد — مهاجر سوري يحمل الجنسية السويدية — أن يمضي عكس التيار، ويتوجه جنوبًا، حيث الشمس والفرص لا تزال على حالها… في تنزانيا.

بداية الرحلة من اللجوء إلى الفكرة

وصل أحمد إلى السويد في عام 2014 بعد رحلة طويلة شملت التوقف في السودان وتنزانيا، هاربًا من أهوال الحرب في سوريا. عاش سنواته الأولى كمهاجر في السويد يتنقل بين أعمال متعددة: عمل في المتاجر، وفي الرعاية الصحية المنزلية، ونجح في تعلم اللغة السويدية، قبل أن يحصل على الجنسية السويدية في عام 2021.



لكنّ أحمد لم يرضَ أن يبقى مجرد رقم في قوائم العمال. بدأ يفكر بجرأة: “أين يمكن أن أستثمر القليل من المال الذي ادخرته؟” خطر في باله السودان، حيث عاش سابقًا، لكنه أدرك أن الحرب الأهلية هناك تقف حجر عثرة. أما تنزانيا، فكانت تبدو له فرصة واعدة، فهو يعرف البلد جيدًا، ويعلم أنها أرض زراعية غنية، ومجتمعها يحتوي على جذور عربية قديمة، وسكانها معتادون على الاختلاط بالمستثمرين والأجانب.



بداية الحلم من قرية مايان

في عام 2022، عاد أحمد إلى قرية مايان، على بعد نحو 550 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة دار السلام. قرر أن يبدأ من هناك، حيث تقع واحدة من أهم مناطق إنتاج الكاجو في تنزانيا. فهذه الدولة تُعد من أكبر مُصدّري الكاجو الخام في العالم، ويُشكّل هذا المحصول نحو 10 إلى 15% من عائدات البلاد من العملات الأجنبية.



بدأ أحمد فكرته بمشروع بسيط: شراء الكاجو من الأسواق المحلية وتصديره إلى الإمارات. لكن المنافسة كانت شرسة، والأسعار غير مستقرة. عندها فكّر بطريقة أكثر تنظيمًا: أن يستورد الكاجو إلى السويد، ولكن بطريقة احترافية، عبر شركة سويدية رسمية مسجلة على عنوانه في السويد، وتعمل وفق المواصفات الأوروبية.

أرسل أول شحنة بقيمة لا تتجاوز 20 ألف دولار. كانت صغيرة نسبيًا، لكنها منتظمة كل شهرين تقريبًا، بدفعات تراوحت بين 7 إلى 10 آلاف دولار. لاحقًا، ومع توسّع علاقاته مع متاجر توزيع التجزئة السويدية، تضاعفت الطلبات، وبات يصدر شحنات تصل قيمتها إلى 30 ألف دولار لكل من السويد والدنمارك، ومنها لاحقًا إلى ألمانيا.



من وسيط إلى مُصنّع

نجاح أحمد دفعه للتفكير بشكل أعمق في سلسلة الإنتاج. بدلاً من الاعتماد على التجار المحليين، قرر شراء الكاجو مباشرة من المزارعين. فأسس أول مصنع صغير لتقشير وتصنيع الكاجو قرب مناطق الإنتاج، بكلفة إجمالية تقارب 17 ألف دولار فقط. شملت الكلفة استيراد آلات من الصين بحوالي 8 آلاف دولار، وبناء مستودع صغير بمبلغ لم يتجاوز 10 آلاف دولار.



اليوم، يملك أحمد ثلاثة مصانع صغيرة يعمل فيها أكثر من 40 عاملًا بين إداريين وفنيين، وتنتج هذه المصانع شهريًا كميات من الكاجو والزبيب والمكسرات الأخرى، يتم تصديرها إلى أوروبا بقيمة إجمالية تتراوح بين 50 إلى 75 ألف دولار شهريًا. وتصل نسبة أرباحه إلى نحو 25% من قيمة الإنتاج، بحسب تقديره.



نظرة من الداخل: صناعة الكاجو في تنزانيا

في عام 2025، تُباع الكيلوغرام الواحد من الكاجو الخام في مزارع تنزانيا بسعر يتراوح بين 1.5 إلى 2.5 دولار، حسب الجودة والموسم. بعد التصنيع (التجفيف، التقشير، التحميص والتعبئة)، تصل الكلفة الإجمالية للكيلوغرام المُعدّ للتصدير إلى حوالي 4 إلى 5 دولارات. أحمد يبيع المنتج النهائي في السويد بسعر يتراوح بين 9 إلى 10 دولارات للكيلو، بينما يُباع في المتاجر الكبرى للمستهلك بسعر يتجاوز 16 دولارًا.



بهذا الفارق، تبقى صناعة الكاجو من أكثر الصناعات الزراعية ربحًا في تنزانيا، لكنها تتطلب تنظيمًا، وفهمًا للسوق، وشبكات توزيع موثوقة — وهي العناصر التي استطاع أحمد بناءها خلال ثلاث سنوات فقط.

الاستقرار والعودة للأسرة

استقر أحمد حاليًا في العاصمة التنزانية دار السلام، حيث يوجد المقر الإداري لشركته. نقل أبناءه من السويد للعيش معه، والتحقوا بالمدرسة الإنجليزية في المدينة. يقول: “حين تكون عائلتك إلى جوارك، تزول الغربة، ومع التقنية الحديثة نرى أهلنا يوميًا عبر الهاتف” ويؤكد أن حياة الرفاهية متوفر في تنزانيا مع العوائد المالية التي يكسبها حيث لا يحتاج أكتر من 25 %  ممن يكسبه لكي يعيش في رفاهية ويدخر المتبقي للعائلة والمستقبل والاستثمار والتوسع.



يعيش اليوم وسط مجتمع متنوع، يجمع عربًا، وسويديين، وأوروبيين، وتنزانيين من أصول يمنية وعُمانية وإيرانية. يقول إن الجميع يشارك في احتفالات مثل “عيد الأضحى”، و”سابا سابا”، و”الكريسماس”، ويشعر بأنه ينتمي للمكان، ليس فقط كمستثمر، بل كجزء من نسيج المجتمع.



خلاصة التجربة: المال ليس في الشمال فقط

يختم أحمد حديثه للمركز السويدي للمعلومات قائلًا:

“الكثير يظن أن الثروات في أوروبا أو الخليج، لكن الحقيقة أن أفريقيا ما زالت أرض الفرص. القليل من المال، مع بعض المعرفة، وجواز سفر قوي كالجواز السويدي، يمكن أن يفتح لك أبوابًا ما كنت لتتخيلها.”

تجربة أحمد لا تُعد مجرد قصة نجاح فردي، بل نموذجًا لما يمكن أن يفعله اللاجئ أو المهاجر حين يمتلك رؤية، ويقرر المغامرة بطريقة مختلفة… لا شمالًا، بل جنوبًا، حيث لا تزال الأرض بكرًا تنتظر من يستثمر فيها بحكمة.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى