
كاتب سويدي: “علينا الاعتراف… السويد تتأخر وتتراجع .. وتخلق لنفسها المشاكل”
لطالما قدّمت السويد نفسها كقوة عالمية في الابتكار والتكنولوجيا والإدارة، بدايةً من شركات عملاقة مثل إريكسون وسبوتيفاي وفولفو وساب وإيكا وغيرها، وصولاً إلى أنظمة دولة سويدية متقدمة تعتمد على الرقمنة منذ عقود.
لكن وسط هذا الشعور الوطني السويدي بالتفوق، يظهر صوتٌ مغاير تماماً يقول: هناك من يتفوق علينا بمسافات كبيرة.. و “علينا الاعتراف… أن السويد تتأخر وتتراجع في القائمة”.
بهذه النبرة الصادمة بدأ كاتب المقال في صحيفة Expressen تحليله القاسي لوضع السويد المتأخر مقارنةً بالآخرين، مؤكدًا أن المقارنة لن تكون مع دول كبرى مثل الصين التي تسبقنا بمسافات ساحقة بل بدولاً صغيرة في محيطنا المباشر — كإستونيا — التي لا تسبق السويد بخطوة أو خطوتين، بل بعصر كامل… ودولٌ جارة مثل فنلندا والنرويج تتقدم عنا بخطوات كبيرة!
والسؤال الأكبر هنا:
كيف تحوّلت دولة مثل السويد تتربع على قوائم العالم في الابتكار إلى دولة متأخرة رقميًا أمام بلد مثل إستونيا… البلدِ البلطيقي الصغير؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت إستونيا دولة فقيرة للغاية. ميزانيتها المخصصة لتطوير تكنولوجيا المعلومات لم تكن تكفي حتى لشراء نظام معلومات واحد من الشركات العالمية. حين لجأ الاستونيون إلى شركة IBM الأمريكية في التسعينيات، اقترحت عليهم الاعتماد على أجهزة ضخمة (mainframes)، لكن التكلفة تجاوزت قدراتهم بمئات المرات، فاضطروا إلى خيار آخر:
استخدام الحواسيب الشخصية الصغيرة، ثم بناء نظام رقمي وطني من الصفر. هذه المصادفة التاريخية — قلة الموارد — كانت الشرارة التي صنعت واحدة من أكثر الدول الرقمية تطوراً في العالم اليوم استونيا.
لماذا تبدو السويد “قزمة رقمياً” أمام إستونيا؟
يقول الكاتب إنه حين زار استونيا وجرّب النظام بنفسه، شعر فعلاً أن السويد — بكل ثرائها — أصبحت “الابن الريفي المتأخر”.
ما الذي يفعله المواطن في إستونيا عبر بوابة واحدة فقط؟
- التسجيل في المدارس
- حجز مواعيد الأسنان
- الاطلاع على الأشعة الطبية
- دفع المخالفات
- كل المعاملات الحكومية دون استثناء
حتى الطلاق أصبح رقميًا منذ العام الماضي 2024 . نعم، طلب طلاق كامل بلا ورقة واحدة.
والأهم مما يقدمه النظام للمواطن في استونيا…هو ما يعفيك منه:
- عند الزواج وتغيير الاسم، تصدر بطاقة الهوية الجديدة تلقائيًا دون طلب.
- عند ولادة طفل، كل شيء يتم تلقائيًا باستثناء إدخال اسم الطفل فقط.
- للحصول على مواصلات عامة مجانية في استونيا، ما عليك سوى إظهار بطاقة الهوية… النظام يتأكد تلقائيًا من مكان سكنك.
وماذا عن السويد؟ الكاتب يقارن بين الدولتين ويقول بحدة:
“في التصنيفات الدولية للرقمنة الحكومية، السويد غالبًا في آخر القائمة… وفي بعض الأعوام في المركز الأخير تمامًا .”
المشاكل السويدية ليست مجرد تأخير بسيط، بل إخفاقات ضخمة بمليارات الكرونات، مثل: انهيار منصة المدارس في السويد فلا وجود حقيقي لها ، كارثة نظام Millennium الصحي في السويد الذي يعتمد على الرسائل والاتصال، وكذلك فشل التجارب لرقمنة النظام الصحي مثل ما حدث في منطقة فاسترا يوتالاند، الذي كلّف 11 مليار كرونة ثم انهار بالكامل! ويشبه الكاتب انهيار النظام بنسف جسر كلّف الدولة المليارات.
لماذا تفشل السويد رغم أنها “رائدة الابتكار”؟
1. عقدة النجاح القديم
السويد رقمنت اقتصادها مبكرًا، لكن هذا تركها محاصرة في أنظمة متهالكة منذ السبعينيات وحتى التسعينيات وبداية الألقية ثم توقفت السويد و لم يتم تحديثها.
2. الهيكل الإداري المتجمد في السويد!
كل مؤسسة حكومية في السويد تكاد تكون “جزيرة مستقلة” تعمل بأنظمتها الخاصة ومعاييرها المختلفة عن غيرها. فجهات مثل مصلحة الضرائب أو منصات صرف الرواتب والإعانات كـ فورشكنينغس كاسان يتم تحديثها بشكل مستمر بحكم ارتباطها بالجباية المالية أو مراقبة تدفّق الأموال، ولذلك تبدو في وضع أفضل مقارنةً بقطاعات رقمية أخرى رقم نخلفها مقارنتاَ بغيرها في دول أخرى مثل أستونيا.
لكن المشكلة الأعمق تكمن في ضعف قطاع الخدمات الرقمية العامة، إذ تعمل المؤسسات السويدية وكأن كل واحدة منها تعيد اختراع العجلة من جديد… تمامًا كما لو قررت كل بلدية ابتكار نظام بريد خاص بها!
3. غياب الإرادة السياسية
على عكس إستونيا وفنلندا، لا يوجد ضغط حقيقي في السويد للاهتمام لإعادة بناء البنية الرقمية من الأساس. فالسويد غارقة بالصراعات السياسية ومشاكل طوابير الرعاية الصحية والأجور وطرد المهاجرين وسحب الجنسيات وصراع مافيات العصابات..وخلق المشاكل الاجتماعية!
4. الثقة الزائدة بالنفس!
السياسيون في السويد يعيشون في أحلام الماضي القريب يعتقدون أن الدولة تلقائيًا “متقدمة” لأنها موطن لشركات تقنية عالمية. ويوجد تدفق مالي كبير للحكومة من حصيلة الضرائب، وأن الشركات الخاصة ستقود رقمنة المجتمع – لكن هذه الشركات خاصة، وليست جزءًا من إدارة الدولة. وهي تعمل وفق ربحية المال وليس الربحية الاجتماعية!
ويقول الكاتب بالنظر لاستونيا سنجد أن إستونيا استثمرت في نظام مرن وبسيط يربط بين كل مؤسسات الدولة بخيوط واحدة، بينما استمرت السويد في تطوير “ديناصورات رقمية” ضخمة ومعقدة تفشل قبل أن تعمل. حتى الآن، تخطط إستونيا لإطلاق “مساعد رقمي يعمل بالذكاء الاصطناعي” يتولى الرد على المواطنين وتنفيذ معاملاتهم فورياً. وفي نفس الوقت، ما تزال السويد تكافح لتشغيل منصات أساسية دون انهيارات. بل عادات لتفعيل نظام المقابلات الشخصية في مكتب العمل وفي معاملات كثيرة.
خلاصة المقال… اعتراف مرّ
يذهب الكاتب إلى أبعد مدى ويقول: “سـنكون السويد دولة متخلفة رقمياً حتى نعترف أننا الأسوأ… ونبدأ من الصفر.” وكمقيمين في السويد، نعيش يومياً: نشعر بتأخّر معاملات المنصات الحكومية التي لا تعمل جيدًا ، وضعف الترابط بين الجهات ، بجانب أنظمة صحية وتعليمية مثقلة بإجراءات غير فعالة وفي المقابل، نجد دول البلطيق — الصغيرة والفقيرة سابقًا — تتجاوز السويد بخطوات عملاقة. فربما حان الوقت لنسأل: هل السويد بلد رائد فعلاً… أم أن الصورة الذهنية أكبر من الواقع؟ هو يرى أن الفرق بين السويد وإستونيا لم يعد مجرد فروقات في السرعة أو التحديث، بل فجوة حضارية سببها:
- الغرور السياسي
- البيروقراطية المتخشبة
- وعجز الدولة عن التجديد









