
قضية مقتل الشاب سورية عبير في السويد.. “المؤبد للزوج والسجن للشقيق والبراءة للأم”
أكّدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر بحق السوري محمد عثمان “يحمل الجنسية السويدية” و المتهم بقتل زوجته الشابة “عبير” في مدينة إسكيلستونا جنوب السويد ، وقضت بتأييد سجنه مدى الحياة. هذا القرار جاء بعد مراجعة واسعة لوقائع الجريمة التي هزّت السويد خلال هذا العام، وراح ضحيتها الشابة السورية عبير وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 27 عاماً.
وفي المقابل، ألغت المحكمة الحكم الذي كانت قد أصدرته المحكمة الابتدائية ضد والدة المتهم، والتي كانت قد أدينت بالتحريض على
. محكمة الاستئناف أوضحت أنّ ملف القضية لم يُظهر أدلة كافية تثبت مشاركتها المباشرة في التخطيط أو التنفيذ، وهو ما قاد إلى تبرئتها.
تغييرات في الأحكام وتبرئة آخرين!
كما خفّفت المحكمة العقوبة المفروضة على شقيق الجاني، الذي كان قد حُكم عليه سابقاً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة المساعدة في الجريمة. الاستئناف برّأته من تهمة المشاركة في
، لكنها اعتبرت أنه أخفى معلومات مهمة وشارك في التستّر، وهو ما أبقى عليه حكماً بالسجن، ولكن بعقوبة مخففة.

وشملت قرارات التبرئة عدداً من أفراد العائلة الآخرين الذين وُجهت إليهم اتهامات مماثلة، حيث رأت المحكمة أن الأدلة لا تكفي لربطهم بشكل مباشر بالجريمة.
اختلاف حول الدافع… بين “الشرف” والغيرة والعنف الأسري!!
المحكمة الابتدائية كانت قد صنّفت الجريمة ضمن “جرائم الشرف”، بناءً على خلفية عائلية محافظة من أصول مهاجرة “سورية” ، ورفض أسرة الزوج أسلوب حياة الضحية. إلا أن محكمة الاستئناف قدّمت قراءة مختلفة؛ فبحسب تقييمها، ورغم وجود إشارات توحي بخلفية مرتبطة بالشرف، فإن الأدلة الأكثر وضوحاً تشير إلى أن الزوج كان يمارس السيطرة والعنف طيلة فترة الزواج، وأن غضبه وغيرة انتابته عندما علم أنّ زوجته بدأت علاقة جديدة بعد محاولاتها الانفصال عنه.
وصرّحت المستشارة القانونية كيرستين إلسيرث لوكالة الأنباء السويدية بأن “الغضب والغيرة” كانا العامل الأكثر ترجيحاً وراء وقوع الجريمة، في ظل غياب دليل قاطع يثبت وجود تخطيط مسبق بدافع الشرف.
عبير… قصة شابة سورية حلمت بحياة جديدة!
الضحية عبير، وهي شابة سورية وُلدت عام 1997، وصلت إلى السويد خلال موجة اللجوء الكبرى 2014. حلمت ببداية جديدة ومجتمع يضمن لها الأمان والفرص. ومع الوقت بدأت تتكيف مع أسلوب حياة مختلف، وازداد اهتمامها باستقلاليتها وطموحاتها.

غير أنّ عائلتها دفعتها إلى الزواج في عمر 18 عاماً من ابن عمّها محمد عثمان، الذي كان يكبرها بعشر سنوات. الزواج المبكر فرض عليها حياة لم تختر تفاصيلها، وكان بداية سلسلة من المعاناة النفسية والجسدية التي رافقتها طوال سنوات الزواج.
الانفصال… الشرارة التي أشعلت الصراع
عندما حاولت عبير الانفصال والعيش بعيداً عن سيطرة الزوج، انهالت عليها التهديدات من زوجها وعائلته. شقيقتها روت أنها طالبت بالطلاق مراراً، فقط كي تحيا بكرامة مثل غيرها من النساء في السويد، لكن الأسرة اعتبرت رغبتها “مهانة” لا يمكن التساهل معها.
وفي أواخر 2022، تقدمت ببلاغ لدى الشرطة ضد زوجها بتهمة الاعتداء عليها، وقدّمت صوراً تثبت جراحها. ردّ الزوج كان عنيفاً؛ فقد أخذ طفليهما وغادر بهما إلى اليونان ثم إلى تركيا، مستغلاً الأطفال كورقة ضغط لابتزاز الضحية.

تجمّع العائلة في تركيا… والبدء بمخطط التهديد!!
في تركيا التقى الزوج والدته وشقيقه، وبدأوا جميعاً في ممارسة ضغوط متزايدة على عبير، مستخدمين الأطفال وسيلة للضغط وتهديدها بالانتقام. ورغم ذلك رفضت الضحية الاستسلام وأبلغت الشرطة عن استمرار التهديدات.
وحين فشلت محاولتهم لاستئجار شخص من ألمانيا لتنفيذ القتل، انتقل المخطط إلى مرحلة أكثر خطورة، إذ بدأت العائلة تناقش قتل عبير بشكل مباشر.
التجسّس والمراقبة قبل التنفيذ!
كاميرات المراقبة أظهرت الزوج وهو يتتبع خطوات زوجته قبل يومين من تنفيذ الجريمة. كما كشفت التحقيقات أن شقيقه الأصغر ساعد في مراقبة حركتها ورسم مسارها اليومي، تمهيداً للانقضاض عليها.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2024، تغيبت عبير فجأة عن عملها، مما دفع زملاءها للإبلاغ عن اختفائها. وبعد ساعات، عُثر عليها جثة داخل شقتها في إسكيلستونا.
كيف وصفت العائلة الضحية؟
عائلتها تحدثت عنها كفتاة مرحة تنشر الفرح أينما ذهبت، تحب الحياة وتملأ البيت طاقة وضحكاً. لكن طموحاتها وشخصيتها المنفتحة لم تنسجم مع القيود العائلية التي فُرضت عليها.

الأحكام القضائية في القضية
- محمد عثمان (37 عاماً): تأييد السجن المؤبّد بتهمة
زوجته. - الوالدة، سايلا باكار (55 عاماً): السجن المؤبد بتهمة التحريض والتخطيط (حكم ابتدائي – أُلغي لاحقاً في الاستئناف).
- خليل عثمان (26 عاماً): السجن بعد التخفيف من 12 عاماً إلى 3 سنوات بتهمة المشاركة التستّر.
- شقيقة محمد وزوجها: تم تبرئتهم من أحكام بين عامين وعامين ونصف بسبب التستّر.
- امرأة أخرى وابنتها: تم تبرئتها من أحكام بالسجن لمدة سنة ونصف بالتهمة نفسها.
سجلّ عنف سابق… وصدمة مجتمعية واسعة
التحقيقات بيّنت أن عبير كانت قد تعرضت سابقاً لاعتداءات وثقتها الرعاية الصحية، وأن علاقتها بزوجها اتسمت بالعنف النفسي والجسدي.
القضية أعادت النقاش حول جرائم الشرف والعنف داخل بعض الأسر المهاجرة، واعتبر مراقبون أنها مثال صارخ على التوتر بين قيم اجتماعية تقليدية يحملها بعض الوافدين، وبين القيم الحقوقية والقانونية التي يقوم عليها المجتمع السويدي.









