قضايا وتحقيقاتمقالات رأي

صديقي السويدي عاد لوطنه الأم.. وأخبرني “أن كل شيء رائع في السويد ولكن!”

عاد صديقي السويدي «العربي» لبلده الأم، عاد وفي جعبته الكثير من الأخبار عن بلده الثاني السويد، وعلى الرغم من جميع أسباب العيش الرغيد التي ينعم بها، إلا أنه يظل في حالة مقارنة دائمة مع ما عاشه أو اختبره أو عرفه هنا في بلادنا العربية وما يوجد في السويد من مميزات..




قال لي صديقي السويدي العربي، إن أبناءه في مدارس رائعة يتوفر فيها الطعام ووسائل التعليم المتطورة والرفاهية، أفضل من المدارس الأجنبية في بلادنا العربية التي ندفع لها آلاف الدولارات – كل شيء مجاني للأطفال منذ الحضانة وحتى أعلى تحصيل علمي يمكن أن يطلبه المواطن – وتشمل مجانية التعليم المواصلات من وإلى المدرسة، إضافة إلى أدوات الدراسة والكتب، والكمبيوترات والنت والطعام… وكل ما يلزم..




وفي حقيقة الأمر، عندما سمعت عن المدارس السويدية المجانية وما فيها من رغد ورفاهية… تذكرت بألم ما يوجد في بلادنا العربية، فمدارسنا كابوس يحطم أحلام العائلات في مستقبل رغيد لهم ولأبنائهم!

وهنا أشار صديقي إلى أن مجانية التعليم في السويد لها هدف استراتيجي وطني، وهو ردم الهوة بين الطبقات، فتكافؤ الفرص في التعليم، يعني فرصة للمواطن أن يغير وضعه الاقتصادي والاجتماعي، وأن الذي وُلد فقيرًا “بالمفهوم السويدي للفقر” لا يُشترط أن يموت كذلك، وأن خيارات والديك في الحياة ليست قدرًا محتومًا عليك، ولهذا يحقق التعليم المتكافئ عدالة اجتماعية… وبالتالي فتحديد هويتك الوظيفية في المستقبل أنت تحدده بمجهودك وتفوقك وليس الظروف والوضع الاجتماعي والمالي “والواسطات” كما في بلادنا العربية!




انتهى صديقي السويدي العربي من قصص المدارس السويدية، ليحكي لي عن النظام والنظافة في شوارع السويد في القرى والمدن، كل شيء منظم ونظيف، الباصات والقطارات التي يصفها وكأنها مخصصة لكبار المسؤولين في بلادنا العربية، احترام المرور والقيادة، واحترام المشاة. كنت أسمع وأتذكر ما يحدث في شوارعنا العربية، وخصوصًا القرى والأحياء السكنية المتوسطة التي تكتظ بكل سلبيات الحياة… فتجعلك تتقن قاموسًا من الكلمات البذيئة لتوزيعها على من يستحقها!




وما جعلني أشعر بالذهول والصدمة، ما أخبرني به صديقي من أن الدولة السويدية تتحمل أغلب كلفة العلاج لكل الأمراض لك ولعائلتك.. وتوفر لك السكن والمساعدات المالية، وتدفع لك الكهرباء وكل مستلزمات المعيشة لك ولعائلتك إن كنت عاطلًا عن العمل.. لا زلت أفكر في هذا الأمر الذي لا أفهمه.. والذي يُعتبر الكابوس الأساسي في مجتمعاتنا العربية، فمن لا يملك عملًا أو مالًا مصيره الشارع والتشرد هو وزوجته وأطفاله!




سألت زوجته: هل تشعرين بأي تمييز لأنك محجبة؟ أجابت: نعم، ولكنه لا يؤثر على حياتنا الشخصية أو الاستمتاع بحياتنا، ولكنه موجود قد يشعر به البعض ولا يشعر به الآخرون…. لكنني أعمل في إحدى الشركات هناك، وقد لمست حرصًا شديدًا على مساندتي في العمل ودفعي لخبرات جديدة، والعمل هناك مقدس.. أن تعمل بإخلاص، فلا أحد يهتم بأي شيء آخر – وقد أشارت زوجة صديقي لمعلومة عابرة، وهي أن قانون السويد يُلزم الدولة بتعليم المهاجرين لغتهم الأم! –.




وافق صديقي زوجته وأضاف: كل أصدقائي هناك يعرفون التزامنا كعائلة، نستطيع الصلاة في عملنا، في وقت الراحة، وأضاف: – في السويد تم تحويل الدين لشيء شخصي جدًا، وطالما تتبع القانون فإن لك أن تمارس عقيدتك كما تشاء، وكيفما تشاء.. ولكنه أضاف معلومة قال فيها: – “لكن أنا وأصدقائي المسيحيين السويديين الملتزمين نعرف أن تديّننا ليس أمرًا مُحتفى به على صعيد اجتماعي أو سياسي في السويد، والدولة تقف على الحياد، وتضع كل القوانين اللازمة لضمان حياد الدولة وعدم تديّنها، أو ما يُسمى علمانية الدولة!” وقد أضاف صديقي أن السويد ليست دولة مسيحية بالمفهوم الشرقي كما نعتقد في بلادنا العربية – ولكنها ذات تراث مسيحي تاريخي فقط!




هنا سألته عن القطاع الخاص وفعاليته الإدارية، قال معلومة أذهلتني وأعتقد أنني سوف أطبقها فورًا: إن موقع المدير التنفيذي في العمل يقع أسفل الهيكل وليس على رأسه، لأن المفهوم أن وظيفته هي دعم جميع الموظفين للقيام بعملهم، وحدثني أيضًا أن المدير في موقع أفقي، أي أن الجميع متساوون مع بعضهم البعض، والمدير يعمل مثلك ولا يمارس السلطوية، فلا توجد سلطة للمدير للتحكم بالأشخاص، ولكن المدير له الصلاحيات الإدارية الأكبر!




باشرته بسؤال واضح: هل أنت سعيد في بلدك الجديد السويد؟ قال لي: الحمد لله أنا أشعر بالأمان الوظيفي والعائلي.. والمالي، وهذا هو المهم، ولكن ينقصني شيء واحد، وهو الانتماء الذاتي والروحي والمجتمع العائلي: فالمجتمع السويدي مجتمع يقوم على الفرد، كل شيء هناك مخصص لدعم الفرد، وقد تغير مفهوم الأسرة بالمعنى التقليدي، والدولة حلّت محل الأسرة، ولهذا لا اعتماد للأولاد اقتصاديًا على والديهم في شيء! وحريتهم الشخصية أهم من علاقات «التراحم الأسري»، وهذا محزن للآباء… ويتنهد صديقي ويقول: – “بعض الناس يُكتشف موتها بعد أيام أو أسابيع..” والعلاقات الاجتماعية باردة جدًا بين الأصدقاء والجيران، وحتى بين الأقارب، وربما تنعدم مع الوقت حتى بين ذوي الأصول المهاجرة!




قلت له: السويد طبقت اشتراكية أوروبية فعالة، فأجاب: لا أقول عنها اشتراكية، صحيح أن الحزب الحاكم هو الاشتراكي الديمقراطي، ولكن السويد بلد رأسمالي عنده موارد مهمة، يقع في الشمال أكبر منجم حديد في العالم، وثروته الطبيعية من الخشب معروفة.




وأضاف صديقي السويدي العربي: هناك شركات كثيرة مملوكة أو لمشاركة الدولة، ولكنها بلد قطاع خاص، الأهمية لرؤوس الأموال والشركات الكبرى، كما أن الضريبة في السويد تصل على الفرد أحيانًا 60% حسب راتبه، والضرائب هي الكتاب المقدس للسويد وقبلتهم، ومن يتهرب من الضريبة كمن يقوم بانقلاب عسكري على النظام في العالم الثالث! سر نجاح السويد الشفافية، ولا وجود للسلطة لدى المسؤولين، لديهم حكومات فعالة تقوم على الثقة المتبادلة مع المواطن وبسيادة القانون.




وفي آخر الحديث بيننا، سألت صديقي السويدي العربي: هل بلادنا العربية أفضل أم السويد؟

فأجاب: – كل شيء رائع في السويد… ولكن “عندما أكون في السويد فإني أحب بلادنا العربية.. وعندما أكون في بلدي العربي، فأنا أشعر أن كل شيء يجعلني أشتاق للعودة للسويد”!



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى