
في السويد، يُسمح للسلطات منذ نوفمبر 2024 الماضي بمصادرة الأموال أو الذهب أو أي مقتنيات ثمينة إذا وُجدت شبهات تدور حول مصدرها، سواء تعلق الأمر بالاحتيال، أو غسل الأموال، أو التهرب الضريبي، أو أي نشاط غير قانوني. لكن، وعلى الجانب الآخر، فإن القانون واضح: إذا ثبت أن هذه الأموال والممتلكات جاءت من مصدر شرعي، ولم يكن لصاحبها أي تورط في أنشطة مشبوهة، فإن من حقه استعادتها. القانون هنا ليس أداة للمعاقبة أو التضييق، بل وسيلة لحماية المجتمع من الجرائم المالية.
هذه القاعدة القانونية تجسدت بوضوح في قصة عبد الإله، الرجل الثمانيني، وزوجته سميرة، البالغة من العمر 64 عاماً. في يوم 4 مايو 2025، وبينما كانا في مطار ستوكهولم آرلاندا، صادرت السلطات منهما مبلغًا من المال وبعض الذهب. المبلغ كان 2400 دولار أمريكي، بالإضافة إلى ما يقارب 90 غرامًا من الذهب، ومجموعة من المصوغات الذهبية القديمة.
في البداية، لم يكن لدى الزوجين أي إثبات يوضح أو يثبت مشروعية ما كان بحوزتهما. ومع مرور الوقت دون رد واضح من الشرطة، تولى ابنهما إيهاب، المقيم أيضًا في السويد، مهمة المتابعة. أرسل عدة رسائل إلكترونية إلى الشرطة مستفسرًا عن مصير الأموال والذهب، وعبّر فيها عن قلق الأسرة من تأخر الرد.
وأخيرًا، وصل الرد من قسم معالجة المضبوطات. أكدت الشرطة أنها راجعت ملف الوالدين بدقة، وتحققت من مصادر أموالهما وخلفيتهما، وتبين أنه لا توجد أي شبهة لغسل أموال، كما أنهما لا يحصلان على أي نوع من المساعدات الاجتماعية في السويد. وأوضحت الرسالة أن بريدًا قد أُرسل إلى منزل العائلة قبل أيام، وأن بإمكان السيدة سميرة الحضور إلى مركز الشرطة واستلام المقتنيات المصادرة.
وبالفعل، وفي 23 مايو 2025، تسلمت سميرة كل ما صودر منها: النقود، والذهب، والمصوغات. وقالت الشرطة للعائلة بوضوح: “لقد تحققنا من الأمر، ولا يوجد ما يشير إلى وجود جريمة أو غسل أموال. كما تبين أن والديك لا يتلقيان أي نوع من الإعانات الحكومية.”
لكن القصة لم تنتهِ هنا…
إيهاب، الذي كان يشعر بعدم الارتياح رغم استرجاع العائلة لممتلكاتها، سأل الشرطية عمّا إذا كان بإمكانه الحصول على نسخة من محضر الضبط أو أي وثيقة رسمية تؤكد ما جرى، حتى يتمكن من استخدامها في حال التعرض لأي موقف مشابه مستقبلاً. لكن الشرطية رفضت طلبه.
ما أثار قلق إيهاب حقًا، هو ما قالته الشرطية ردًا على سؤاله:
“من الممكن أن يتم إيقافكم مجددًا، ومن الممكن أن تصادر الشرطة المال والذهب مرة أخرى من باب التحقق.”
كلماتها زادت من مخاوفه: ماذا لو تم توقيفه في الطريق؟ كيف سيثبت حينها أن هذه الأموال والذهب قد تم التحقق منها قانونيًا؟ لا إثبات رسمي، ولا مستند مكتوب.
تحليل سريع:
هذه القصة تكشف تعقيدات في التعامل مع الأموال والممتلكات الشخصية في ظل القوانين الصارمة لمكافحة الجرائم المالية في السويد. فبين حرص الشرطة على منع التلاعب والاحتيال، وحق المواطن في امتلاك ممتلكاته دون تدخل غير مبرر، تبقى الشفافية والإثبات القانوني خط الدفاع الأول للطرفين.
لكن ما يُؤخذ على النظام هنا هو غياب وثيقة رسمية توضح قرار الشرطة النهائي، مما يجعل المواطن عرضة للتكرار نفس التجربة، حتى لو لم يكن مذنبًا. وهنا يظهر السؤال الكبير:
هل تحتاج السويد إلى تعديل آليات التوثيق في مثل هذه الحالات؟ وهل يجب أن يحصل كل مواطن استُعيدت له ممتلكاته على مستند رسمي يمنع أي إساءة لاحقة؟