
السويد: زملاء عمل يتنازلون عن زيادة رواتبهم السنوية لإنقاذ زميلهم من الترحيل إلى سوريا
نيشوبينغ (Nyköping)، 26 نوفمبر 2025
تشديد قوانين الهجرة والعمل في السويد لم يعد مجرد نقاش سياسي، بل أصبح واقعًا يعرقل حياة آلاف المهاجرين ويهدد استقرارهم اليومي. من بين هؤلاء يظهر اسم الشاب السوري سام ، الذي وجد نفسه فجأة أمام احتمال الطرد والترحيل إلى سوريا رغم اندماجه الكامل في المجتمع السويدي، واستقراره المهني، ودفعه للضرائب، وعمله المستمر في رعاية كبار السن. سام يحمل إقامة عمل مؤقتة، لكن التعديلات التي أقرتها الحكومة في أكتوبر 2025 رفعت الحد الأدنى للأجور المطلوبة لتجديد تصاريح العمل إلى 33.900 ألف كرون، ما جعله في وضع لا يمكّنه من تجديد إقامته لأن راتبه أقل من السقف الجديد.
وبذلك تحوّل مستقبله من حياة مستقرة إلى سباق مع الزمن. وفي مشهد نادر داخل مؤسسات رعاية المسنين، اختار زملاؤه في قسم 4A بدار المسنين Koggen التضحية بزياداتهم السنوية في الرواتب هذا العام 2025-2026 ، في محاولة لرفع دخل سام إلى المستوى المطلوب وإنقاذه من الترحيل. خطوة تعكس مدى الترابط الإنساني بين العاملين في هذا القطاع، وتكشف في الوقت نفسه حجم القلق الذي تسببه تغييرات قوانين الهجرة للعاملين الأجانب في السويد.

سام، الذي يعيش في السويد منذ عشر سنوات ويعمل في رعاية المسنين منذ ستة أعوام، يقف اليوم أمام مستقبل مجهول بعدما رفعت الحكومة بالتعاون مع حزب سفاريا ديموكراتنا (SD) سقف الدخل المطلوب للحصول على وتجديد تصاريح العمل إلى 90% من متوسط الرواتب – أي 33,390 كرون شهريًا، راتب يفوق بكثير مستوى الرواتب في قطاع الشيخوخة.
“نحن نخسر زملاءنا… نخسر عائلتنا”
سارة، وصوفيا، وماري، وسائر زملاء سام وصفوا الوضع بأنه محاولة يائسة لإنقاذ شخص يعتبرونه فردًا من العائلة. تقول الممرضة المساعدة صوفيا:
“نحن قليلون أصلاً في هذا المجال، وإذا خسرنا أشخاصًا مثل سام فنحن نخسر خبرة وأمانًا وعلاقة إنسانية مع كبار السن. هؤلاء ليسوا مجرد موظفين، هم روح المكان.”
وفور الإعلان عن رفع متطلبات الدخل، اتفق العاملون على اقتراح لم يسبق له مثيل:
التنازل عن زيادتهم السنوية في الراتب لصالح سام وزملاء آخرين مهددين بالترحيل.
وتقول ساندرا، إحدى العاملات:
“بالنسبة لنا هي مجرد أموال… لكن بالنسبة لهم، هي حياة كاملة.”
قصة سام: عشر سنوات من الاندماج… وقلق لم ينتهِ!
وصل سام إلى السويد عام 2015 بعد فراره من سوريا، حيث كان مطلوبًا للخدمة العسكرية. حصل أولاً على إقامة مؤقتة كلاجئ، ثم على تصريح عمل بعد أن بدأ بالاعتماد على نفسه.

وعلى الرغم من أنه تعلم اللغة، حصل على وظيفة ثابتة، اشترى شقة، وشارك في أنشطة المجتمع، إلا أن خوفه من الترحيل لا يغادره:
“عيشت عشر سنوات في قلق. لا أستطيع تكوين عائلة أو التفكير في المستقبل. كل شيء قد ينهار خلال قرار واحد.”
سام ممنوع أيضًا من التقدم للجنسية السويدية لمدة 25 عامًا بسبب خدمته السابقة في الجيش السوري، رغم أنها كانت وظيفة إدارية ولم يشارك في أي أعمال عنف. هذا المانع يعني أنه لن يستطيع طلب الجنسية حتى يبلغ 60 عامًا.
دار رعاية Koggen ليس حالة فردية. قطاع رعاية المسنين يعتمد بشكل كبير على العمال المهاجرين. مديرو القطاع والعاملون يلاحظون أن تشديد القواعد سيترك فجوات كارثية.
ماري، إحدى زميلات سام، تلخص الوضع:
“إذا رحل هؤلاء، سيترك ذلك فراغًا هائلًا… نحن نعتمد عليهم يوميًا.”
رسالة بلا إجابة للحكومة!
بعد تفاقم القلق، كتب العاملون في القسم رسالة إلى عدة وزراء، من بينهم وزير الهجرة يوهان فورسيل، جاء فيها:
“كيف من المفترض أن نجذب أشخاصًا للعمل في رعاية كبار السن إذا كنتم ترحّلون الذين يعملون هنا بالفعل؟”
لكن الرد لم يأتِ من أي وزير. فقط رسالتان رسمية عامة من موظفين حكوميين.

رد وزير الهجرة: نتفهم القلق… ولكن!
عندما تواصلت صحيفة آفونبلادت مع الوزير فورسيل، قال في رد مكتوب:
“أتفهم القلق لدى العاملين الحاصلين على تصاريح وفق النظام القديم، لكن يجب على السويد تعديل قوانينها بما يتوافق مع وضع سوق العمل.”
وأضاف أن متطلبات الدخل السابقة كانت “منخفضة جدًا” ولم تتغير منذ 2008، وأن خفض البطالة داخل السويد أهم من الاعتماد على المزيد من الهجرة.
بين الإنسانية والبيروقراطية… يبقى مصير سام معلقًا!
ورغم تعاطف زملائه واستعدادهم للتنازل عن حقوقهم المالية، لم يتضح بعد ما إذا كانت البلدية قادرة قانونيًا على إعادة توزيع الزيادات لصالحه. سام – الذي يحبه كبار السن ويعتمد عليه زملاؤه – يعود يوميًا إلى العمل محاولًا الحفاظ على ابتسامته:
“أنا لست طفلًا… لكن الإنسان ينهار في النهاية. ماذا لو قالوا لي غدًا عليك المغادرة؟”
القصة تعكس أزمة أوسع في السويد: قوانين هجرة صارمة تصطدم بقطاع رعاية يعاني من نقصٍ حاد في العاملين. وفي وسط ذلك، يقف أشخاص مثل سام… بين حياة صنعوها هنا، وظلال مستقبل قد يُسلب منهم بقرار إداري واحد.









