مقالات مهمة

السوسيال السويدي: تدخل سريع داخل الأسرة.. وغياب لافت عندما يأتي الخطر من الخارج

مقال الصحفية السويدية مادالينا نوردستروم .

في السويد، تُعتبر هيئة الشؤون الاجتماعية المعروفة اختصاراً بـ”السوسيال” من أقوى الجهات الرسمية التي تملك صلاحيات واسعة للتدخل في حياة الأفراد، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحماية الأطفال والمراهقين. وعند وجود مشكلة أو نزاع داخل الأسرة — سواء كان بين طفل ووالده، أو فتاة ووالدتها — يتحرك السوسيال بسرعة لفتح ملف، وزيارة البيت، والتحقيق، وربما حتى إبعاد الطفل عن أسرته.



وتقول الصحفية في مقالها: لكن المفارقة الكبرى، التي بدأت تُثير انتقادات من عائلات عدة، هي أن نفس هذا الجهاز لا يُبدي الحماسة أو الجدية ذاتها عندما يكون مصدر الخطر خارج المنزل. سواء كان في المدرسة، أو في الحي، أو من طرف غرباء، أو حتى زملاء متورطين في اعتداءات وتنمر وعنف واضح — يتراجع السوسيال خطوة للخلف، أو يلقي بالمسؤولية على الشرطة أو المدرسة، وغالباً لا يتدخل إطلاقاً. وهنا نجد أن السوسيال يكون حريصاً جداً ويشجع على إبلاغ الطفل لأي مشاكل مع عائلته ولكن عندما تكون مشكلة الطفل مع المجتمع ..فالسوسيال غالبا لا يستمع!



حالة من نيخو: فتاة تتعرض للضرب ونزع الحجاب.. بلا حماية

في بلدية نيخو جنوب السويد، تعرضت فتاة مراهقة لحملة تنمر مستمرة داخل المدرسة من زميلات أخريات، وصلت في إحدى المرات إلى حد نزع الحجاب بالقوة خارج أسوار المدرسة. الفتاة وعائلتها لجأوا للسوسيال طلبًا للحماية، لكن الجواب كان صادماً:

“هذه ليست مسؤوليتنا، تواصلوا مع الشرطة.”

وفي الوقت ذاته، لم تتدخل المدرسة، بحجة أن ما حدث وقع خارج المؤسسة التعليمية، بينما المدرسة لا تملك أدوات قانونية للتعامل مع الموقف سوى إبلاغ السوسيال، الذي بدوره رفض التحرك. بينما الشرطة حررت بلاغ وقالت إنها رفعت القضية للسوسيال…!! وحلفة مفرغة لا نهاية لها ..من يتحمل المسؤولية؟



والسؤال هنا: أليس من مسؤولية الدولة حماية الفتاة من العنف أو التنمر الاجتماعي من المراهقين الأخرين؟ أليس التعدي على اللباس الديني اعتداءً واضحاً على الحرية الشخصية؟ وإذا كانت الفتاة تعاني من مشاكل داخل أسرتها، هل كان السوسيال سيقف مكتوف الأيدي بنفس الطريقة؟ بالتأكيد لا.

فتى آخر.. والقلق يُوجه له بدلًا من حمايته

في حالة أخرى، لمراهق يبلغ 14 عامًا، تعرّض لاعتداءات وابتزاز من زملاء معروفين لدى المدرسة بسلوكهم العنيف في بلدية كالمار، قامت عائلته بالتواصل مراراً مع الإدارة التعليمية بلا جدوى فكل نايحدث لقاءات وأحاديث . وبعد تفاقم الوضع، توجهت العائلة للسوسيال، على أمل أن يتم احتواء الوضع أو التدخل لحماية ابنهم.



لكن المفاجأة كانت أن السوسيال قام بفتح بلاغ قلق ضد العائلة والفتى نفسه، متسائلاً:

“لماذا يعاني المراهق من مشاكل مع الآخرين؟ هل هناك ما يقلق في البيئة المنزلية؟”

بمعنى آخر، بدلاً من التعامل مع الفتى كضحية، تم تحميله وعائلته مسؤولية الاعتداءات التي يتعرض لها. هذا يعكس نمطاً مقلقًا في آلية عمل السوسيال، حيث يتم تفسير المشاكل الاجتماعية أو السلوكية التي يتعرض لها المراهق على أنها نتيجة محتملة لفشل في الرعاية الأسرية، دون النظر إلى العوامل الخارجية أو إلى أدوار المدرسة والمجتمع.



قضايا مشابهة من مدن أخرى

في مالمو، وثّقت إحدى الجمعيات الحقوقية حالة صبي تعرّض للضرب من قبل مجموعة من اليافعين داخل ساحة المدرسة. الأسرة طالبت بإبعاد الجناة أو نقلهم، لكن المدرسة اكتفت بفتح “خطة دعم” شكلية، والسوسيال رفض التدخل قائلاً إن ما حدث “ليس عنفًا أسريًا”، وبالتالي لا يدخل ضمن اختصاصه.



وفي يوتوبوري، فتحت عائلة بلاغًا بعد أن أصبح ابنهم المراهق ضحية لابتزاز مالي من قبل مراهقين آخرين. الشرطة أغلقت الملف “لعدم كفاية الأدلة”، والسوسيال قال إن الأمر لا يرتقي لـ”تهديد مباشر على الحياة”، رغم أن المراهق أبدى ميولاً انتحارية بسبب الضغط المتواصل.




نقد قانوني واجتماعي: ازدواجية التدخلات

السوسيال — كما هو منصوص عليه في قانون الرعاية الاجتماعية (SoL) وقانون رعاية الشباب (LVU) — مفترض به أن يضمن بيئة آمنة للطفل سواء داخل البيت أو خارجه. لكن الواقع يكشف أن الهيئة أكثر ميلاً للتدخل عندما يكون الصراع أو القلق داخل البيت، وغالباً ما تغض الطرف عندما يكون الخطر قادماً من المدرسة أو الحي أو أشخاص آخرين.



لماذا؟

  • لأن التدخل داخل الأسرة أسهل قانونيًا ومؤسسيًا.
  • ولأن النظام الإداري يحمّل الأهل المسؤولية تلقائيًا عن أي فشل في حماية الطفل، حتى لو كان الخطر من جهة أخرى.
  • ولأن التنسيق بين السوسيال والمدرسة أو الشرطة غالبًا ما يكون بيروقراطيًا ومتأخرًا.




وتختم  الصحفية السويدية مادالينا نوردستروم  مقالها قائلة:.

لا يمكن للسوسيال أن يستمر في التركيز على التدخل داخل الأسرة فقط، بينما يتجاهل أو يتنصل من مسؤوليته حين يكون العنف خارجيًا.
الطفل الذي يتعرض للضرب في المدرسة يحتاج للحماية بنفس القدر الذي يحتاجه من يتعرض للإهمال في المنزل.
وإذا لم تُراجع هذه السياسة بشكل واضح وشامل، فإن الأطفال والمراهقين في السويد سيبقون عُرضة للخطر، ليس بسبب ذويهم، بل بسبب فجوة في نظام الحماية نفسه.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى