مجتمع

أكثر من 80 % من المتخرجين من كليات طب الأسنان والصيدلة السويدية مهاجرون

تكشف أحدث الإحصاءات التعليمية في السويد عن واقع جديد آخذ في التشكّل داخل المجتمع: أبناء المهاجرين لا يندمجون فقط، بل يتقدّمون الصفوف في ميادين العلم والمعرفة، ويشقّون طريقهم نحو المهن النخبوية التي تُعدّ ركيزة أساسية في أي دولة حديثة.




ففي العام الدراسي 2022–2023، 2024 – 2025 شكّل الطلبة من خلفيات مهاجرة (سواء وُلدوا خارج السويد أو وُلد والداهما في الخارج) النسبة الأكبر من خريجي أهم برامج الرعاية الصحية، حيث بلغت نسبتهم في طب الأسنان 82%، وفي الصيدلة 81%، وهي أرقام تعبّر عن تحوّل نوعي في طبيعة النخبة الأكاديمية والمهنية في البلاد. وكذلك كانت النسب عالية بدرجات متفاوتة في كلبات القمة الأخرى مثل الطب والهندسة وعلوم الحاسبات



وفي طليعة هذا التفوق اللافت، يبرز الطلاب من أصول عراقية وسورية وفلسطينية ولبنانية والصومال ودول مهجر أخرى مثل تركيا وإيران وأفغانستان، الذين يتكرّر حضورهم سنويًا ضمن قوائم المتفوقين في المدارس الثانوية، كما يشكّلون نسبة عالية من المقبولين في أعرق الجامعات السويدية، مثل جامعات لوند وأوبسالا ومالمو وستوكهولم. هذا الحضور الكثيف في التخصصات الطبية والهندسية والقانونية يدلّ على أن هؤلاء الشباب، رغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية، يملكون طموحًا عاليًا ودافعًا راسخًا للنجاح.




تجربة زهراء: من رفض أولي إلى مشروع طبي

دفعة تخرج كليات الرعاية الصحية طب وصيدلة في السويد 80 بالمائة منهم طلاب من اصول مهاجرة

من مدينة مالمو، تحكي الطالبة “زهراء” قصة تجسد هذا الإصرار. لم تُقبل في برنامج طب الأسنان في البداية، لكنها تابعت دراسة الهندسة، ورفعت معدّلها عبر دراسة إضافية، ثم خضعت لاختبار القبول الجامعي أكثر من مرة، حتى نجحت في تحقيق حلمها. تقول إن الطب كان خيارًا ممكنًا، لكنها اختارت طب الأسنان لأنه لطالما كان شغفها، ولأن عائلتها تمنح المهن الطبية مكانة رفيعة، خصوصًا بعد ما واجهه والداها من صعوبات في سوق العمل بعد وصولهم إلى السويد.




تخطط زهراء اليوم لإطلاق مشروعها الخاص، مستفيدة من خلفيتها في الاقتصاد الصناعي. وترى أن تجربتها وتجارب زملائها – الذين جاء كثير منهم من بيئات صعبة – تثبت أن النجاح لا يرتبط بالخلفية الاجتماعية، بل بالإرادة والالتزام.

طالبات من أصول مهاجرة تخرجوا من كليات القمة السويدية يتحدثون في تقرير إعلامي سويدي





جيل يقود التغيير

بحسب تقرير لهيئة الإحصاء السويدية، فإن النساء المولودات في السويد لأبوين مهاجرين هنّ الفئة الأكثر إقبالًا على التعليم العالي، بنسبة تصل إلى 62%، وهي نسبة تتجاوز مثيلتها بين النساء من أصول سويدية. كما كشفت دراسة حديثة من معهد الدراسات المستقبلية أن غالبية أبناء المهاجرين يختارون التخصصات الطبية والمهنية الصعبة، حتى عندما تكون درجاتهم في المدرسة أقل من أقرانهم، بدافع طموحات عالية، وشعور بالمسؤولية تجاه أسرهم ومجتمعاتهم.




السنوات العشرون القادمة: النخبة تتغير

كل المؤشرات الحالية تدل على أن أبناء المهاجرين سيشكلون، خلال العقدين القادمين، شريحة محورية في القيادة المهنية والأكاديمية بالسويد. الأطباء، الصيادلة، المهندسون، والمحامون القادمون – بأسماء عربية وغير سويدية – سيكونون ليس فقط جزءًا من المجتمع السويدي، بل من صانعي قراراته ورافعي مستواه العلمي والمهني.




هذا الواقع لا يعبّر فقط عن اندماج ناجح، بل عن تفوق فعلي، يغيّر تدريجيًا تركيبة النخب السويدية، ويعكس صورة جديدة لمجتمع متعدد ومنفتح، يجد قوته في تنوعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى