المركز السويدي للمعلومات
لدعم الهجرة واللجوء في اوروبا والسويد

وفاة شاب محتجز بأحد مراكز توقيف شرطة ستوكهولم بسبب “العطش”




 

كيف يمكن لشاب عمره 23 سنة أن يموت عطشا، في أحد مراكز التوقيف في السويد بوقتنا الحالي ونحن في القرن 21؟ هكذا تسألت الصحف السويدية، وهي تعرض اليوم لقصة الكشف عن ملابسات مقتل الشاب رامي، بعد تحقيقات ضمت 700 صفحة وأكثر من 30 استجواباً ، وعدد من التقارير الطبية وتقارير الفحوصات الجنائية والتحاليل الفنية

 

بيان للمدعي العام والصحافة لا تهتم

في يوم 6 من سبتمبر/أيلول من هذا العام، أعلن المدعي العام في بيان صحفي، عن توجيه تهمة التسبب بالقتل لحراس مركز التوقيف، في سولينتونا (إحدى بلديات محافظة ستوكهولم الشمالية) الذي توفي فيه رامي  وهو شاب سويدي من اصول عربية . هذا الإعلان لم يجد أي صدى أو اهتمام يذكر في وسائل الإعلام، ربما بسبب انشغال الصحافة والرأي العام بالانتخابات،   وربما لعدم اتضاح الصورة الكاملة عما حدث لرامي منذ اعتقاله  بتهمة السرقة، وهي تهمة لم تكن مؤكدة، بسبب تصرفات رامي التي تثبت أنه كان يعاني من أزمات نفسية.




 

كيف بدأت القصة؟

بدأت القصة عندما ذهب رامي يوم 18 أبريل/ نيسان، إلى المدرسة التي درس فيها المرحلة الإعدادية في سولينتونا، هناك قام بنزع ملابسه وبقي فقط بسرواله الداخلي، وقام بوضع طلاء أحمر على وجهه، ثم وتحت تهديد سكين كان يحملها، شلح أحد العمال في المدرسة ساعة يده وموبايله، قبل أن يغلق عليه أحد أبواب حمامات المدرسة.

 

المدرسة أخطرت الشرطة، التي أرسلت دورية قامت باعتقال الشاب، وإخضاعه للتحقيق، بتهمة السرقة واحتجاز شخص وإلحاق الأذى به بصورة غير قانونية. فيما لوحظ أن الساعة والهاتف بقيت في الغرفة التي حدثت فيها السرقة.
تقول تقارير الشرطة إن المشتبه به شخص ميؤوس منه، حيث كان يستلقي على المقعد، وهو يردد طوال الوقت”va, va, va
” وكما يبدو أن المحققين لم يكن لديهم شكوك بأن المتهم قام بما قام به بدافع السرقة. الشرطة وصفت رامي بأنه “مرتبك للغاية”.

ومع ذلك أحيل رامي إلى التوقيف، وتم اعتقاله بعد يومين ، وتم نقله في 20 أبريل إلى قسم الاحتجاز في سولينتونا. بعد 19 يوما من هذا التاريخ غادر رامي الحياة




 يوم 9 مايو/أيار العام الماضي 2017 كان يوما مثلجاً في ستوكهولم، وانشغلت الصحافة ووسائل الإعلام بمتابعة أخبار الأرصاد الجوية، لتغطية موجة الهواء القطبي البارد التي تؤثر على حرارة الربيع المنتظر.

في هذا اليوم كانت دورية من النيابة العامة تنقل رامي من مكان اعتقاله إلى مستشفى سانت يوران، لاستصدار شهادة من العيادة النفسية حول حالته

في وقت لاحق، من مراحل الاستجواب، أدلت إحدى الممرضات بشهادتها قائلة: إن المشتبه به كان عاريًا على أرض الزنزانة، وكان يصدر أصوات ولكن لا يمكن أن تفهم عليه أو أن تتواصل معه

حالة رامي بهذا اليوم كانت تستدعي معالجة جسدية وليس فقط مجرد استخراج شهادة عن وضعه النفسي، وهكذا قرر الأطباء نقله إلى مستشفى دانديريد، بعد أن تبين أنه منهار القوى ولا يستطيع السير أو التكلم






 

بابا أنا سأموت…أخر كلامات لرامي

في الطريق إلى المستشفى كان رامي يتمتم بكلمات غير مفهومة، أحد المرافقين له من الممرضين، الناطقين بالعربية، استطاع التواصل معه عن طريق العين، عندها تفوه رامي بهذه الجملة باللغة العربية : “بابا أنا سأموت” بعد هذه الكلمات، صمت رامي وأصبح أكثر هدوء، ليتوقف قلبه عن الخفقان، سيارة الإسعاف حولت طريقها إلى أقرب مركز إسعاف في سولنا، ومن هناك أعلنت وفاة رامي.

 

اتصال من مجهول بالشرطة:
وفاة رامي جاءت بعد 3 أيام من عيد ميلاده الـ 23 كان العامل الحاسم في تحقيقات الشرطة، هو تحديد سبب الوفاة. وحل ما يشبه اللغز، فقد كان مستغربا أن يموت شاب قوي البنيان فجأة في غرفة احتجاز تابعة للشرطة، وكان تشريح الجثة يركز على معرفة فيما كان الشاب يعاني من مرض في القلب أو شيئا من هذا القبيل، لكن نتائج الفحص أثبتت أن الشاب سليم جسديا ولم يكن يعاني من أمراض جسدية.



بعد مرور وقت طويل، تلقى المحققون مؤشرات على أن هناك أشياء لم تكن صحيحة. خاصة بعد وصول رسالة من مجهول تقول إن الشخص الذي توفي، كان لعدة أيام في معزل عن العالم الخارجي وكان عاريا وتفوح منه روائح كريهة، دون أن يثير ذلك أي اهتمام، وكان الشاب يلقى معاملة سيئة، والمسؤول عن الإدارة لم يهتم بعدة إنذارات جاءت عن حالته.

ثم جاء الخبر اليقين عن سبب وفاة رامي: إنه توفي نتيجة الجفاف الناتج عن العطش الشديد>>>

 

كيف يمكن لشاب ان يموت عطشا في إحدى سجون السويد في العام 2017؟

حالات الموت عطشا حدثت وتحدث خاصة للهاربين عبر الصحراء أو عبر الجبال من خطر ما أو كارثة ولكن أن يحدث ذلك في سجون دولة الرفاهية والتقدم والإنسانية، فهذا يمكن أن يسمى جريمة مضاعفة.
عند منع الماء عن الجسم، تبدأ الدماغ والكليتين بالتوقف تدريجيا عن العمل، بعد أسبوع يفقد الشخص الوعي ومن بعدها يفارق الحياة.

 

هل كان من المتعذر على الحراس أن ينقذوا هذا الشاب بكأس ماء؟

التحقيقات التي تجريها الشرطة الآن مع حراس مركز التوقيف (القائمين على حراسة السجون والموقوفين في السويد هم شركات حراسة خاصة، يتم التعاقد معها) تظهر أن الجميع يريد ان يبرئ ساحته، خاصة المدير المسؤول، والذي أفاد بأنه لا يذكر الكثير من التفاصيل حول حالة رامي.

لكن المؤكد أن التعامل النمطي مع الموقوفين من قبل الحراس، قلل من خطورة الوضع الذي يخص الشاب رامي، خاصة مسألة معاناته من أمراض نفسية.



الثابت أيضا أن الإهمال وعدم متابعة شخص محتجز لأنه قام بتصرفات تدل على أنه يعاني من أزمات نفسية، وعدم تقبله للطعام وللشراب، في زنزانته، تعد السبب الرئيسي لفقدان حياة هذا الشاب بهذه الطريقة غير الإنسانية. فيما يقول الحراس أنهم أغلقوا المياه عن رامي، لأنه حاول إغراق الزنزانة بالمياه

ألم يلاحظ مثلا القائمين على التحقيق، أن الطريقة التي سرق بها العامل بالمدرسة، طريقة لا تنم عن أن الهدف هي جريمة السرقة، وأن حجز حرية شخص مريض بهذه الطريقة، هي خطأ قامت به الشرطة، قبل أن تكتشف ضرورة عرضه على طبيب نفسي؟

 

من هو رامي؟

رامي ولد في السويد ونشأ في ستوكهولم، لكن أصوله من الشرق الأوسط (يتكلم العربية) يقول أصدقائه أنه كان شخصا محبوبا، لكنه بدأ يعاني من أزمات نفسية، وقد أفادت والدته أنها حظرت إلى المدرسة وقت الحادث، وقالت إن ابنها مريض ويتناول دواء، وقالت إنها جاءت إلى مكان احتجازه لتسليم الدواء الذي يتناوله للحرس، وهي لا تعلم إن كان الدواء وصل فعلا لابنها أم لا



 

المحكمة في الخريف

لا شك أن الشرطة والقضاء السويدي، يهتم بملاحقة المتسببين بوفاة رامي، تحقيق يتضمن 700 صفحة، أكثر من 35 استجواباً، أراء خبراء ومختصين، تحليلات، تقارير، أراء المدعي العام، وغيرها من الوثائق في انتظار المحاكمة التي تعقد في وقت لاحق من خريف هذا العام.

الصحافة السويدية ورغم ذلك، تطرح سؤالا كبيرا: هل وفي حال كان رامي اسمه يوهان وكانت ملامحه وأصوله سويدية، كان سيلاقي نفس المصير؟
سؤال برهن المجتمع وليس فقط القضاء، المجتمع الذي من واجبه محاربة النمطية والأحكام المسبقة على أشخاص فقط بسبب ملامحهم







المصادر: وكالات أنباء 22/9/2018

صحيفة أفتونبلادت

ترجمة  الكومبس