المركز السويدي للمعلومات
لدعم الهجرة واللجوء في اوروبا والسويد

الوجه الأخر القبيح للسويد ..

المقال التالي عن فيلم سويدي أثار ردود فعل عديدة في السويد ، وهو مقال لاستعراض هذا الفيلم  ..الذي نشر كــ كتاباً باسم «السويد.. تموت لتكون متعددة الثقافات» Sweden Dying to Be Multicultural ،  ثم أصدر أيضاً  فيلم تسجيلي بالعنوان نفسه…بإضافة جملة الوجه الأخر القبيح للسويد!




يبدأ الكاتب السويدي بالصورة المسبقة المستقرة في أذهان الجميع، خاصة في الجزء الجنوبي من العالم حيث الشرق العربي ودول أفريقيا واسيا الفقيرة ، حيث صورة السويد هي جنة المهاجرين واللاجئين الذين يفرون من بلادهم بسبب الحروب والمجاعات، ينشدون العيش في مجتمع السويدي الذي يرحب بالغرباء المهاجرين ويمنحهم الدفء والأمان والمال ، وكل الخدمات التي يعجز الإنسان أن يحصل عليها في وطنه .




ولا شك أن السياسة العامة المتبعة في السويد تشجع بل وترسخ هذه الفكرة، التي تستند على اعتبار السويد مجتمعاً متعدد الثقافات، يفتح باب الهجرة واللجوء للجميع ، ويمنح السكن والمال والطعام والمدارس والصحة مجانا ، مجتمع رائع تتعايش فيه الثقافات في نسيج يثري البلاد. وهي سياسة أصبحت راسخة منذ سنوات من خلال التعليم والإعلام.



غير أن  الكاتب ومخرج الفيلم ، يعتبر أن الوافدين والمقيمين المهاجرين ، غرباء وليسوا سويديين ، وان السويد لها وجه أخر قبيح  …. ويركز الكاتب  بشكل خاص على مدينة مالمو، مدينته التي ولد فيها ويعيش فيها ، ولكنها بالنسبة له أصبحت المركز الرئيسي في البلاد لتركز اللاجئين القادمين من بلدان الشرق الأوسط: سوريا والعراق وأفغانستان، ومن الصومال في إفريقيا، أي اللاجئون المسلمون تحديداً. كما يقول هو نفسه … 




يأتينا في دعاية الفيلم خطاب للرئيس الأمريكي السابق ترامب وهو يقول” انظروا للسويد إلى أين وصلت وماذا يحدث فيها!!! ..في أشارة للجرائم والعنف في السويد بسبب المهاجرين ” ، 



ثم يأتي  أول الفيلم بصوت وقع انفجار لعدد من القنابل اليدوية في مدينة مالمو ، مع عبارة ثلاث جرائم قتل في أسبوع واحد  في مالمو ، ثم أطلاق نار وسيارات محروقة ، سطو مسلح مع توضيح أن هذا يحدث في مالمو خلال شهر واحد! 



….والصورة تنقل لك أن هذا مشهد كمثل   سوريا أو اليمن وليس مدينة سويدية ! ثم يظهر على الشاشة أرقام المؤشرات تقول إن السويديين قد يصبحون أقلية في بلدهم بحلول عام 2040، الثقافة السويدية تواجه التهديد، حقوق المرأة، الرقص حول حمامات السباحة في الصيف، وماذا عن اللغة السويدية التي تنتهي ، الحجاب بكل مكان ، إسلاميين أجانب ، فوضى وانهيار للخدمات،لا فرص عمل ، وجرائم مستمرة  .. ؟




يقول الفيلم إن السويد قبلت 163 ألف لاجئ في عام 2015، منحوا الإقامة الدائمة. واصبحوا الآن في 2019 ما يعادل 250 ألف ، ونسمع صوت حزين يقول بالسويدية ، إن ما أنفقته السويد على دعم اللاجئين في السويد يوازي كل ما أنفقته الأمم المتحدة على اللاجئين في العالم كله. ويتساءل لماذا تنفق السويد كل هذه الأموال على عدد قليل من اللاجئين بينما كان الأفضل تخصيصها لتحسين أوضاع اللاجئين الذين يعيشون في ظروف متدهورة داخل خيام في بلادهم أو البلاد القريبة منهم ؟




 ولماذا منحوا الإقامة الدائمة؟ ولماذا تبلغ نسبة 71 منهم من الذكور؟ وكيف ستتم إعادة بناء بلد مثل سوريا من دون الرجال؟ وهل سيعيشون حياة كريمة سعيدة منتجة في السويد؟ وكم منهم يعتقد أن الإسلام أهم من التقاليد السويدية والقانون؟ ..هل هولاء فعلا يمكن أن يكونوا سويديين المستقبل ؟



يستند الفيلم إلى فكرة تتكرر كثيراً….وعى أن طرح مثل هذه الأسئلة محظور الآن في السويد؛ لأنها يمكن أن تقوض الأساس الذي تستند إليه النخبة الحاكمة في تحويل السويد إلى مدينة فاضلة ..من يتكلم فهو عنصري متطرف معادي  ومن يستمر  في الحديث سوف يتم فصله وطرده من عمله !.




ويحاول الكاتب السويدي القول بشكل واضح “” أننا ربما نشهد أفول المجتمع السويدي المتطور المتقدم الذي عرفناه منذ عصر النهضة “.

ثم نرى بالفيلم تهبط الكاميرا إلى مدينة مالمو ؛ حيث تستعرض أولاً أشكال التنوع السكاني في الوجوه والملابس المحتشمة الغريبة ، في الشوارع ومحطات القطارات الغير نظيفة ، والمحلات التجارية بأسماء وحروف غير سويدية ، كلها شرقية أفريقية …..لا تحمل ثقافة سويدية ….ثم ينتقل إلى مقطع أقرب ما يكون إلى فيلم تسجيلي إعلاني عن السويد.. جنة الأرض، التي حققت التقدم العلمي والصناعي، مجتمع الرفاهية الذي كان الجميع مبهورين به في الستينيات شقراوات وملابس متحررة ورقص وغناء ومرح ، صناعة وإنتاج واختراعات .







لكن المشاهد سرعان ما يدرك أنه من خلال التعليق الصوتي والصور التي يعرضها الكاتب ، هناك محاولة لطمس الحقائق وأظهار بعض الخلفيات الثقافية في السويد كانها أغلبية وليست اقليه محدودة تمثل تنوع ثقافي حضاري ..



في البداية يقدم الكاتب في استعراض سريع، الشخصيات الرئيسية التي ستظهر في الفيلم، لننتقل إلى «مالمو» ا لقطات من الحياة في المدينة السبعينيات .. الساحات العامة النظيفة، سكان قليلون يتجولون في الشوارع.. أطفال سعداء تبدو على وجوههم علامات الصحة.. التجانس البشري واضح في هذه اللقطات. ويقفز الفيلم باستخدام لقطات أخرى للأماكن نفسها الآن في العصر الحديث التي أصبحت مليئة بالقاذورات وسكان غير معروفين وغير متجانسين !.




إننا نشاهد جزءاً من تقرير تليفزيوني عن الأوضاع في المدينة. ثم نشاهد تقريرا آخر عن مالمو في ..غالباً من قناة تليفزيونية أميركية، يقول التعليق: إن سلطات مالمو تواجه وضعاً صعباً في المدينة التي تعاني من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين المسلمين، والغالبية العظمى منهم عاطلون عن العمل، .




كما يعرض الفيلم آراء بعض السكان السويديين في مالمو عما يتعرضون له من تحرشات واعتداءات وتعرض سياراتهم للتكسير.. نشاهد رجال الشرطة والإطفاء يكافحون للتدخل لحل المشاكل التي تنشب.. المعلق يقول إنه في معظم الأحوال لا تتمكن سيارات الإسعاف من دخول الأحياء المليئة بالمهاجرين من دون حماية الشرطة.




ويضيف أن المدينة التي كان عدد سكانها يبلغ ربع مليون شخص، أصبح يقيم فيها حالياً ربع مليون مسلم، لا يقيمون وزناً للقانون السويدي والتقاليد، ومسموح لهم باستقدام أقاربهم. يسأل المذيع مدير مدرسة سويدية يقول له: إن لديه ألف تلميذ كم طفلاً سويدياً من بينهم؟ الإجابة اثنان فقط والباقي من أبناء المهاجرين.



يستعيد المخرج ذكرياته من خلال شريط من الصور الفوتوغرافية العائلية منذ أن كان طفلاً نشأ في مالمو، كيف كانت المدينة ميناء كبيراً رئيسياً في أوروبا، وكانت تأتيها السلع من كافة أرجاء العالم، وكان الطابع العام للمدينة أنها مدينة الطبقة العاملة، وكانت النقابات العمالية قوية والحكومة اشتراكية. لقطات للعمال، للميناء، إقامة أكبر جسر في أوروبا.. تشييد ميناء جديد.. ناطحات سحاب حديثة.. ثم بدأت المدينة تقبل اللاجئين. أصبح 44 في المائة من سكانها من الشرق الأوسط وإفريقيا.. و25 في المائة من سكان المدينة من المسلمين.وجيش من العاطلين والعصابات والجرائم …..




إنه يقسم المدينة إلى مالمو 1 وهو الحي النظيف الراقي الذي يعتبر دليلاً على انسجام المهاجرين مع السويديين والعمل والتعاون المشترك، ومالمو 2 حيث تعمّ الفوضى وينتشر العنف وجرائم القتل والاغتصاب، التي يرجع سببها إلى البطالة والأوضاع التي يعيشها اللاجئون ورفضهم الاندماج وازدرائهم المنتظم للقانون السويدي والقيم المجتمعية السويدية .




 إننا نرى مثلاً كيف يتم الاعتداء أمام الكاميرا مباشرة على مذيعة تليفزيون وفريقها من جانب مجموعة من الشباب ذو الخلفية الأجنبية المهاجرة في السويد الذين يعيشون بالمناطق المعزولة في مالمو . في هذا المناطق تبلغ نسبة العاطلين عن العمل 74 في المائة وينتشر العنف والجريمة.. فهل هذا يشجع على الاندماج وخلق المجتمع المتعدد الثقافات؟ تعليقاً على هذا نشاهد في أحد المشاهد  في الفيلم اشتعال الحرائق في السيارات، وأعمال العنف، تتقاطع مع شريط دعائي عن امتزاج الثقافات الذي تروج له الحكومة السويدية.



الشخصية الوحيدة التي تظهر في الفيلم تدافع عن التعددية الثقافية للمهاجرين في السويد ، هي شخصية رجل يُدعى روستان يعمل مديراً لوحدة طبية في مدينة مالمو . وهو يرى أن هناك الكثير من المبالغات التي يبثها أنصار حوب سفاريا ديمقراطي المناوئ للهجرة، ويقول أن كل هذا هراء  ، ويرى أن السويد يجب أن تقبل مزيداً من اللاجئين؛ لأن أعداد كبار السن في ارتفاع، وهناك حاجة إلى سواعد الشباب. وعندما يسأله المخرج عن خطورة قبول ثلاثة أو أربعة ملايين شخص على الثقافة السويدية يقول له ببساطة وما هي الثقافة السويدية؟ إنها أشياء جاءت كلها من خارج السويد ، إلا ترى ملك السويد وأسرته من أين جاؤوا ! .



المدهش أن ممثل حزب سفاريا ديمقراطي المناهض للهجرة هو شاب إيراني يدعى نعمة غلام علي بور، يتحدث إلى مخرج الفيلم عن الممارسات الملتوية التي تمارسها الحكومة السويدية ضد حزبه لتهميشه وتقليص دوره في المشهد السياسي ويعتبر أن حزب سفاريا ديمقراطي ضحية لتهميش الحكومة له، مؤكداً أن هناك فرقاً كبيراً بين اللاجئين أنفسهم الذين يتعاطف معهم والذين لا يحتاجون للحماية وإنما جاؤوا السويد من أجل المال ، وبين الحديث عن سياسة الهجرة وأضرارها على البلاد على المدى البعيد.



وعلى الرغم من كل ما ذكرته، فإن هذا الفيلم لن يمكنه أن يتفادى الاتهام بالتعصب والنظرة الأحادية، بل والطابع الدعائي للفكرة أيضاً، ولكن بوسائل فنية جذابة.. لكن لا شك أنه يصلح في النهاية، كمادة جيدة لمناقشة جادة وموضوعية حول القضية.