مركز أوريان الفرنسي : كما العراق ..العرب السنة السوريين لم يعودوا يمثلون سوى نصف سكان سوريا
بعد تسع سنوات من نشوبها، غيّرت الحرب في سوريا طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، ولم يعد العرب السنة يمثلون سوى نصف السكان يعد أن كانوا الأغلبية. هذا الوضع تحقق في العراق بعد 2003 بعد أن تحول سنة العراق لأقلية ….والان يتكرر في سوريا ..هذا وفقا للكاتب الفرنسي بيير إيف بايي في مقال له بموقع مركز “أوريان 21” الفرنسي للدراسات الاستراتيجية
وإذا كان ذلك يرجع إلى عدد اللاجئين والنازحين الكبير من السوريين العرب السنة لدول عربية وتركيا وأوروبا ، فإنه يعود أيضا إلى إستراتيجيات نابعة من نهج طائفي يقوده مقربين من بشار الأسد.
هكذا لخص بيير إيف بايي في مقال له بموقع “أوريان 21” ما آل إليه الصراع في سوريا بشريا، عازيا ذلك إلى إستراتيجية طائفية استفادت من الحرب التي قامت على أنقاض الثورة السورية.
وقال الكاتب إن قمع نظام الرئيس بشار الأسد الشديد للمظاهرات في درعا، وما أسفر عنه من قتل عام 2011؛ كان الشرارة التي أشعلت سوريا لما يقرب من تسع سنوات، وأدت بسبب ما خلفته من انعدام الأمن إلى هجرة العرب السنة لمدنهم ، ففرغ شمال سوريا من السنة العرب مقابل بروز للقوة الكردية ، كما فرغت دمشق ومدن الساحل من العرب السنة مقابل الطائفة العلوية ..
كما تستخدم طهران –حسب الكاتب- “وكلاء” شيعة من دول المنطقة ومن أفغانستان وباكستان والعراق وايران لزيادة عدد المقاتلين، وأيضا لتغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة، عبر منحهم إمكانية البقاء في سوريا لمن يتحدث العربية ؛ وبذلك يعيد النظام تصميم توزيع السكان بما يضمن له وجود مؤيدين للسلطة، أو من يعتمد عليهم في مناطق رئيسية في سوريا.
وقال بايي إن الطائفية متأصلة في نظام الدولة السورية الذي بناه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، حيث أخذ طائفته العلوية عند توليه الرئاسة رهينة وربطها بسلطته وأجهزته الأمنية، كما تألف مجموعة من التابعين مع الأغلبية السنية باستخدام سياسات “العملاء” لتأمين دعمهم، وفعل الشيء نفسه مع الأقليات القومية الأخرى ، حيث أنكر القومية الكردية ولم تمنح أي حقوق في سوريا قبل الثورة .
وتابع بشار الأسد إستراتيجيات والده، بالاعتماد على جزء من السنة العرب دون إهمال طائفته العلوية التي يتراوح عددها بين مليونين وثلاث مليون سوري علوي ، أي بين 9 و11% من السكان السوريين، وشكلت حضورا قويا في جهاز الدولة ة ة.
واستخدم الأسد -حسب فابريس بلانش في مقاله “جغرافية الثورة السورية”- سياسات “العملاء” وتعديل أساليب القمع من أجل تفتيت المجتمع السني العربي السوري
ومع أن الأكراد لا يمثلون إلا نحو 11% من السكان في سوريا ، فقد سعى النظام إلى إيجاد أرضية مشتركة معهم بعد الثورة السورية، وعقد اتفاقا مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويوجد تعاون وتسهيلات بدعم سيطرة الاكراد على شمال سوريا .-بدعم أمريكي –
الدروز والمسيحيون
أما الدروز فيعيشون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، ويمثلون نحو 3% من السكان في سوريا، وانضم جزء منهم في بداية الانتفاضة إلى المتظاهرين للمطالبة بمزيد من الحريات، إلا أن إستراتيجيات الحكومة السورية والتهديد المتزايد لما تسميه “التطرف السني” وضعت حدا لمطالبهم، ووجد الدروز أن دعم الاسد افضل طريق لمنع دخولهم في حرب ابادة لطائفتهم كما يقول الكاتب.
وبالفعل انضم الدروز والمسيحيون في منطقتي جرمانا وشانيا في دمشق إلى قوات الأسد لمحاربة الثوار بين عامي 2012 و2013، كما نشط الدروز في جهاز الدولة، وشكلوا مليشيات للدفاع عن النفس لحماية طائفتهم، باستثناء الدروز المقيمين شمال إدلب، الذين يدعمون الثورة، ولكنهم لا يحملون السلاح.
أما بالنسبة للمسيحيين -الذين يبلغ عددهم نحو مليونين مسيحي في سوريا ، والذين تختلط فيهم الأعراق- فهم نشيطون جدا في حزب البعث السوري وداعمون لنظام الاسد، ولديهم علاقة وثيقة مع آل الأسد، حتى إن رئيس أساقفة حلب الملكيين المونسنيور جانبرت، يقول إنه “قلق للغاية على المسيحيين من عواقب الإطاحة بنظام الأسد” وهذا صحيح امسحيون سوريا يدعمون السلطلة خوفا من الفوضى التي قد تجعلهم تحت استهداف التطرف .
قضية الشيعة الأهم ….
في سوريا، يمثل الإسماعيليون والشيعة الاثنا عشرية نحو 2 أو 3% من السكان ، وهم لا وجود لهم قبل الثورة ، ولكن يزدادو بشكل لافت بعد الثورة السورية ، وقد شارك بعض الإسماعيليين في مظاهرات ضد النظام، ولكن الخوف المتزايد من “الإسلاميين” قادهم في النهاية إلى موقف الحياد، بل والتعاطف مع دمشق، كما يقول الكاتب.
أما الشيعة الاثنا عشرية الذين ظلوا بعيدين عن السياسية حتى عام 1990، فقد انضموا إلى النظام في وقت مبكر جدا؛ “لكونهم من بين الضحايا الأوائل للجهاديين”، وهم -حسب الكاتب- “أحد الأسباب التي دفعت حزب الله اللبناني للتدخل في سوريا قبل أن تأمرهم طهران”.
وحسب كاتب المقال، فإن هناك مجتمعين صغيرين آخرين في سوريا: هما التركمان (نحو 150 ألفا) والشركس من القوقاز (بين 65 و150 ألفا)، وبفضل هويتهم المرتبطة بالترك، حافظ التركمان على صلة بأنقرة، واستغلتهم جزئيا لتبرير تدخلها في سوريا وتوسيع نفوذها.
في حين ينقسم الشركس إلى فئتين: إحداهما إلى جانب النظام في الأجهزة الأمنية، والأخرى ترغب في العودة إلى وطنها القوقاز، وطلبوا من روسيا حق العودة.
قانون إعادة تصميم البلاد
وأشار الكاتب إلى أن النظام السوري، الذي يخطط لفترة ما بعد الحرب؛ أصدر القانون رقم 10 لعام 2018 بشأن “التجديد الحضري”، وهو يسمح للمؤسسات المحلية بالاستيلاء على الأراضي الخاصة واختيار المناطق التي يجب تجديدها.
وخلص الكاتب إلى أن التغييرات الديموغرافية جاءت في النهاية لصالح النظام، لأن انخفاض أعداد العرب السنة يزيد النسب المئوية لتمثيل الأقليات، باستثناء المسيحيين وربما الشركس، مما يعزز وضع النظام.