اخيراً وبعد ثلاث سنوات من وصوله إلى ألمانيا، استطاع اللاجئ السوري جنان سيد علي أن يحقق رغبته القديمة ويفتح محلاً لصيانة الهواتف المحمولة في بلده الجديد، ليتابع طريق الاستقلال المهني الذي كان يتّخذه منذ أن كان في سوريا.
ورغم أن رغبة جنان (32 عاماً) عند بداية وصوله إلى ألمانيا كانت القيام بالتدريب المهني كمختص في المعلوماتية ثم التوظف في إحدى الشركات الألمانية، كما يقول لمهاجر نيوز، إلا أنه غيّر رأيه لاحقاً وتوجه إلى العمل الحر، رغم تلقّيه عروضاً جيدة لدى بعض الشركات، على حد تعبيره.
يقول الشاب الذي يعيش مع زوجته وطفليه في مدينة أوسنابروك الألمانية: “رغم أنني بدأت بالتدريب المهني في الاختصاص الذي كنت أريده لمدة تسعة أشهر، إلا أنني لم أتابعه وفضّلت أن أبدأ بعملي الخاص الذي أتقنه على أن أعمل لدى أناس آخرين”.
وجنان ليس سوى واحد من العديد من المهاجرين واللاجئين الذين يتوجهون إلى تأسيس أعمالهم الخاصة، حيث كشفت دراسة حديثة أجراها بنك الائتمان لإعادة الإعمار في ألمانيا (كيه إف دبليو) أن 21 بالمئة من مؤسسي الأعمال الحرة في الفترة بين عامي 2013 و2017 ينحدرون من أصول أجنبية، أو يحملون جنسية أجنبية. وبذلك -وفقاً للدراسة- فإن المهاجرين ينشطون في تأسيس أعمال حرة على نحو يفوق المتوسط لدى المواطنين الألمان (18بالمئة)، وأرجعت الدراسة ذلك إلى عدم وجود فرص عمل بديلة أمامهم.
وترى الخبيرة الاقتصادية د. سلام سعيد أن هناك عدة أسباب تدفع اللاجئين للتوجه إلى الأعمال الحرة، وتضيف: “تختلف الأسباب من شخص لآخر، حيث يعتمد هذا الموضوع بشكل كبير على أولويات اللاجئ في الحياة وخبرته والمجال الذي يعمل فيه وعمره”.
وكمثال على ذلك توضح الخبيرة أن غالبية اللاجئين الذين يتوجهون للأعمال الحرة هم الذين يعملون في قطاعات الخدمات أو المهن اليدوية، حيث يكون نجاحهم في الأعمال الحرة أسرع، كما تقول د. سلام سعيد وتتابع: –
وتضرب د.سلام سعيد مثالاً عن أكاديميّ سوريّ خمسيني كانت لديه شركته الخاصة في سوريا، لكنه لم ينجح في الحصول على وظيفة لدى شركة ألمانية بسبب عمره وحاجز اللغة، ما جعله يتوجه لفتح مقهى، بالرغم من خبرته المهنية الطويلة في سوريا. وحسبما ترى الخبيرة الاقتصادية فإن العامل الثقافي أيضاً يلعب دوراً مهماً في توجه بعض اللاجئين للأعمال الحرة.
ويوافقها اللاجئ السوري جنان سيد علي في ذلك، ويقول: “في مجتمعنا تعلمنا أنه عندما يكون لدى المرء ذي الخبرة عمل خاص فذلك أفضل من أن يعمل لدى الناس، حيث تكون لديه حرية أكثر نسبياً، ويجني المزيد من النقود مع مرور الوقت”.
لكن الشاب السوري الذي يتقن اللغة الألمانية لا يخفي صعوبات تأسيس عمل حر، ويقول: “هناك ضغط نفسي كبير، خصوصاً عند التأسيس بسبب كثرة المعاملات البيرقراطية التي يجب على المرء أن ينهيها”، ويضيف: “كما أن العامل المادي يلعب الدور الأبرز، فلو لم يدعمني الأهل والأصدقاء مادياً لما استطعت فتح المحل”.
وتشير الخبيرة الاقتصادية د.سلام سعيد إلى أن هناك بعض الجوانب السلبية أيضاً تظهر نتيجة توجه اللاجئين للأعمال الحرة، وتضيف: –
“العمل لدى المؤسسات الألمانية يساعد اللاجئين على الاندماج من حيث التعرف على العمل المؤسساتي في ألمانيا وتحسين اللغة، وعن طريق التوجه المباشر للعمل الحر، فإن اللاجئ يُحرم من ذلك”، وتتابع: “في بعض الأحيان يكون العمل الحر وسيلة لدى اللاجئ للتخفيف من عبء اللغة، حيث يقتصر زبائن الكثير من اللاجئين الذين يعملون أعمالاً حرة على أبناء جلدتهم”.
لكن الخبيرة الاقتصادية تشير أن المعوقات التي تعترض اللاجئين في سوق العمل الألماني، هي أيضاً تجعلهم يتوجهون للأعمال الحرة، حالهم حال الألمان، وتضيف:-
ويقول جنان: “العديد من أصحاب الشركات بدأوا بخطوات صغيرة في البداية، ثم توسعت أعمالهم، وها أنا الآن أبحث عن عامل ليساعدني في المحل”، في إشارة إلى أن العمل الحر هو بداية تأسيس شركات توفر فرص العمل للاجئين آخرين.