تقارير

تقرير سويدي: كيف ينظر الغرب إلى العواصم العربية الكبرى “القاهرة ودمشق وبغداد”

يستعرض هذا التقرير “الشرق والغرب: صراع القوى عبر التاريخ” (بالسويدية: Öst och väst: Maktkamp genom historien) الصراع التاريخي بين مراكز القوى في العالم العربي، من دمشق والقاهرة إلى بغداد والخليج. يركز التقرير على كيف يرى الغرب الدول العربية الكبرى: مصر، سوريا، العراق. وسينقل المركز السويدي للمعلومات الجزء المتعلق بهذه الرؤية، متجنبًا تناول التفاصيل الأخرى حولكيف تعامل الغرب مع الشرق العربي.




نص التقرير:

شهد العالم العربي عبر تاريخه تحولات كبرى في مراكز القوى التي قادته في العصر الحديث إلى المزيد من التراجع والضعف. المنطقة العربية انقسمت بين ما يُعرف حاليًا ببلاد الشام، التي كانت دمشق قلبها النابض، ومصر التي أصبحت مركزاً عربيًا قويًا، مرورًا ببغداد التي عُرفت ببوابة العالم العربي القوية ، لكنها تسببت في الكثير من الفوضى للعالم العربي وكانت أول عاصمة عربية كبرى يتم احتلالها في العصر الحديث، وصولًا إلى جزيرة العرب التي انحصر دورها في البعد المقدس لمكة. جميع هذه المراكز عاشت فترات من الصعود والانحدار، بينما لعبت بقية الدول العربية أدوارًا داعمة لتلك العواصم الكبرى في مواجهة التحديات الخارجية.




مصر وسوريا: تحالف تاريخي وتباعد استراتيجي

كانت سوريا، كجزء من بلاد الشام، تمثل قطبًا رئيسيًا للعرب عبر التاريخ، قبل أن تبرز مصر مركزاً  للعالم العربي كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط . دمشق والقاهرة ظلتا عبر التاريخ الحديث بوصلة العالم العربي، خاصة بعد تراجع دور بغداد التي كانت في السابق مركزًا حضاريًا. وفي المقابل، اقتصر دور الجزيرة العربية، ممثلة بالسعودية والخليج واليمن، على البعد الديني المقدس لمكة، إلى جانب ثروات النفط التي أُهدرت في كثير من الأحيان. أما دول المغرب العربي والسودان، فقدمت الدعم بالموارد لمراكز القوى العربية في مواجهة التهديدات الخارجية، خصوصًا تلك القادمة من الغرب الأوروبي.




بغداد: من مركز القوة إلى التهميش

رغم إرثها التاريخي العظيم، لم تتقبل بغداد عبر التاريخ الحديث التقارب بين مصر وسوريا، ورفضت أن تكون جزءًا من الخليج العربي، ساعيةً فقط إلى فرض زعامتها على العرب وهو ما فشلت فيه. وبينما سعت دمشق والقاهرة إلى التقارب، اعتبرت بغداد ذلك تهديدًا لطموحاتها. ومع ذلك، شهد التاريخ محاولات جادة للوحدة بين مصر وسوريا، مثل إعلان الوحدة عام 1962، والتنسيق العسكري في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، لكن سرعان ما تباعدت المسارات بعد ذلك؛ إذ اختارت مصر الانفتاح على الغرب، بينما فضّلت سوريا الانغلاق على الذات والتمسك بالاشتراكية. أما بغداد، فقد دفعتها طموحاتها إلى الدخول في حروب مدمرة مع إيران ثم الولايات المتحدة والغرب في 3 حروب مدمرة، ما أدى إلى انهيارها وتفكك مجتمعها بصراعات طائفية، تاركة خلفها دولة محتلة عسكريًا ومفككة اجتماعيًا وثقافيًا.




سوريا: حضارة تبحث عن ذاتها

رغم انغلاقها السياسي، ما زالت سوريا تسعى لاستعادة مكانتها التاريخية الممتدة عبر الحضارات، لكنها عانت من التقسيم الذي جعلها تفقد أجزاءً حيوية مثل فلسطين، الأردن، ولبنان. أصبحت دمشق حبيسة أنظمة استعمارية ثم دكتاتورية خلال المئة عام الماضية، وصولًا إلى انهيار نظام البعث، ما ترك سوريا في حالة من الضياع والبحث عن هوية جديدة لم تتشكل بعد.




مصر: العملاق الذي تم تقزيمه

مصر، رغم قوتها الحضارية وصمودها أمام محاولات التفكك، عانت من أزمات اقتصادية خانقة جعلتها رهينة الضغوط المالية. هذا البلد، الذي يُعد مركزًا ثقافيًا وبشريًا لا يمكن تجاوزه، خسر الكثير بين الاشتراكية والانفتاح على الغرب، ليصبح أكثر تمدنًا وقوة لكنه مفلس ماليا ومشوه اقتصاديًا. واليوم، تبحث مصر عن مستقبلها من عمق ذاتها ، لكنها مضطرة للبحث عن دعم مالي من نفط الخليج شرقاً وقروض الغرب المرهقة غرباً.




الخليج: معادلة معقدة في الجسد العربي

في حين انشغلت الدول العربية الأخرى بإثبات ذاتها ومعالجة مشاكلها المالية المزمنة والصراعات الداخلية، برزت دول الخليج أكثر استقرار وأزدهار ورفاه وبقوة مالية ضخمة استُثمرت في التطوير المدني دون بناء قاعدة علمية متينة. كما لعبت دول الخليج دورًا مزدوجًا بين دعم الأنظمة العربية والتبعية لأصدقائها في الغرب، ما جعلها في نظر البعض من العرب مثل “السم في العسل” للعالم العربي، إذ كان دعمها موجهًا للأنظمة الحاكمة أكثر من الشعوب، ما جعلها عامل ضغط سياسي أكثر من كونها داعمًا حقيقيًا لتنمية المنطقة.




ختامًا: العالم العربي في انتظار بوصلة جديدة

مع تراجع مراكز القوى التقليدية بغداد دمشق القاهرة ، يبقى العالم العربي في انتظار ظهور مركز جديد يقوده نحو الاستقرار والتنمية، ولكنه في كل الأحوال لا يمكن أن يكون دولاً خليجية فهي لا تمتلك البعد الثقافي والبشري للقيادة. لتظل مراكز القوى التقليدي في العالم العربي، مصر حجر الزاوية رغم التحديات الاقتصادية ، بينما سوريا بدأت طريقاً مرهق للبحث عن ذاتها وسط أزماتها،  وأخيراً بغداد الممزقة تحاول لملمة شتاتها بعد سنوات من الدمار، فيما يبقى الخليج لاعبًا محوريًا بقيادة الرياض العاصمة السعودية التي يحكمها شاباً طموح ومغامر  لكنه مثير للجدل في المعادلة الخليجية العربية .




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى