تقارير المركز السويدي للمعلومات SCI

المخابرات التركية توصي ببناء الملاجئ والاستعداد المبكر لحرب متوقعة مستقبلاً مع إسرائيل

نشرت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات التركية – التابعة لجهاز الاستخبارات MIT – دراسة استراتيجية بالغة الأهمية بعنوان “حرب الـ12 يوماً إيران إسرائيل: دروس لتركيا”، تناولت فيها أبعاد وتفاصيل الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وأن حرب مستقبلية متوقعة بين تركيا وإسرائيل فكل البلدين لن يتحملا بعضهم البعض في العقود القادمة إذا استمر النظام في تركيا على الطريقة الأردوغانية .



فخلال العقود الخمسة الماضية، خاضت إسرائيل حروبًا شرسة مع معظم قوى الشرق الأوسط، من مصر وسوريا والعراق إلى إيران، ورغم تفاوت نتائجها، لم تُهزم إسرائيل يومًا، ولم تفقد شبرًا من أراضيها، بل رسخت مكانتها كقوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب.



ورغم هذا التاريخ الدموي، لم تدخل إسرائيل في صدام مباشر مع قوتين إقليميتين بارزتين: السعودية التي تبني نفوذها عبر المال والدبلوماسية بعيدًا عن المواجهات، وتركيا التي تتحرك عسكريًا لفرض حضورها الإقليمي، في مشهد تنافسي مع قوى كبرى كـ مصر.

حتى الآن، لم تختبر إسرائيل المواجهة مع تركيا… لكن السؤال يظل مطروحًا: هل الصدام قادم؟




توضح الدراسة التي اعدته الإكاديمية التابعة للمخابرات التركية  MIT  أن هذه الحرب “إسرائيل -إيران-  وفّرت كماً هائلًا من البيانات ذات القيمة العالية في مجالات متعددة، شملت الدبلوماسية، التحالفات، التكتيكات العسكرية، أنظمة الأسلحة، التكنولوجيا السيبرانية، العمليات الاستخباراتية، وأساليب التأثير عبر الإعلام والعلاقات العامة. وتُظهر الدراسة كيف يمكن لمثل هذه الحروب أن تغيّر موازين القوى الإقليمية والدولية، ما يستدعي من تركيا تحليلاً استراتيجياً عميقاً لموقعها وتحالفاتها في المنطقة، خاصة في ظل تصاعد التنافس الإقليمي مع إسرائيل.



أولًا: التفوق الإسرائيلي عسكريًا وتقنيًا

في الفصل الأول، ركزت الدراسة على ما وصفته بـ”الترسانة الإسرائيلية المتقدمة”، مشيرة إلى أن الحرب الإيرانية-الإسرائيلية لم تكن تقليدية بالكامل، بل مزجت بين الأسلحة الفتاكة التقليدية (كالمقاتلات، والصواريخ الباليستية، والقنابل الخارقة) وبين حرب إلكترونية متقدمة، شهدت استخدامًا كثيفًا للوسائل السيبرانية والتشويش الكهرومغناطيسي.



وصفت الدراسة سلاح الجو الإسرائيلي بأنه “الأكثر تطورًا في الشرق الأوسط”، مزودًا بطائرات متقدمة مدمجة بمنظومات اتصالات وحرب إلكترونية وأسلحة ذكية من إنتاج الصناعات الدفاعية المحلية. هذا الدمج أعطى إسرائيل تفوقًا نوعيًا في الدقة والفعالية، وهو ما انعكس في استهداف مراكز الدفاع الجوي الإيرانية وشلّها منذ الساعات الأولى للهجوم.



كما سلّطت الدراسة الضوء على الوحدة 8200 الإسرائيلية، المتخصصة في الحرب السيبرانية، والتي غالبية عناصرها من المراهقين والشباب. هؤلاء يتحكمون بأنظمة التجسس، تحليل الاتصالات، تنفيذ الهجمات الإلكترونية، وحتى اختراق شبكات القيادة والسيطرة الإيرانية، ما يُظهر القوة الناعمة الإسرائيلية في المجال السيبراني وقدرتها على التغلغل في العمق الأمني للخصوم.



ثانيًا: موازين القوة والتحالفات – أين تقف تركيا؟

في الفصل الثاني، انتقلت الدراسة إلى دروس مستخلصة يجب على أنقرة استيعابها لتعزيز موقعها الاستراتيجي، خصوصًا في ظل التنافس الإقليمي مع إسرائيل، والتقاطع أو التباعد بين تحالفات كل طرف بجانب إرهاق إسرائيل من خلال الضرب بعنف في مراكزها المدنية العسكرية لجعلها تفقد التوزان والقدرة على مواصلة أي معركة مستقبلية.

الدبلوماسية كذراع رديف للعسكرة:
أكدت الدراسة أن إيران خسرت المعركة سياسيًا قبل أن تخسرها عسكريًا، بسبب ضعف موقفها الدبلوماسي وافتقارها لحلفاء فاعلين في الغرب والشرق. بالمقابل، استفادت إسرائيل من دعم دبلوماسي أميركي وغربي واضح، ما منحها غطاءً دوليًا لعمليتها.



في هذا الإطار، استعرضت الدراسة إعادة تموضع تركيا دبلوماسيًا، ونجاحها في تطبيع علاقاتها مع دول مثل السعودية، الإمارات، ومصر،  وحلفاء مقربين مثل سوريا الجديدة وتركيا بجانب أذربيجان وباكستان وخصوصاً الاخيرة. وفتحت مسارات مع أرمينيا واليونان، الأمر الذي يعزز من قدرتها على بناء شبكة تحالفات مرنة ومتعددة الاتجاهات، تضمن لها دعمًا سياسيًا في أي صراع محتمل بين تركيا وإسرائيل.





قوة التحالفات العسكرية:
أوضحت الدراسة أن الدعم الغربي لإسرائيل شمل الأسلحة، الاستخبارات، والخدمات اللوجستية، بينما كانت تحالفات إيران – مع روسيا والصين ومجموعة “البريكس” – عاجزة عن تقديم دعم عسكري مباشر. وهنا تنبّه الدراسة أنقرة إلى أهمية تعزيز تحالفاتها الدفاعية مع دول مثل قطر ماليا وطاقة، باكستان كقوة عسكرية كبرى تقدم خدمات لوجستية عسكرية ومعلوماتية وتصنيعية، أذربيجان كعمق قومي تركي ، وحتى سوريا كحليف مهم على الحدود البرية مع إسرائيل، إلى جانب التأكيد على موقعها داخل حلف الناتو.



هذا التوجه يفتح أمام تركيا فرصة بناء محور ردع قوي، مقابل التفوق الإسرائيلي، خاصة إذا نجحت في دمج هذه التحالفات مع هذه الدول مع قوة تركيا العلمية والعسكرية وموقعها وصناعتها الدفاعية المتنامية.

ثالثًا: الأمن الداخلي وتماسك الجبهة الوطنية

تكشف الحرب أن إسرائيل استطاعت استغلال هشاشة الداخل الإيراني، اقتصاديًا واجتماعيًا، لتنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف حيوية. لذلك تدعو الدراسة تركيا إلى تعزيز جبهتها الداخلية، من خلال:

  • ضمان الاستقرار السياسي والمجتمعي.
  • معالجة التحديات الاقتصادية مبكرًا.
  • تعزيز الوحدة الوطنية ومشاريع المصالحة الشاملة.

كما تلفت الانتباه إلى أهمية حماية النخب العسكرية والعلمية، بعد أن نجحت إسرائيل في تصفية كبار الضباط الإيرانيين والباحثين النوويين خلال ساعات قليلة من الهجوم، وهو ما يُعد ضربة استباقية استراتيجية قلبت موازين المواجهة.




 رابعًا: السيادة التكنولوجية ومخاطر الاختراق

حذّرت الدراسة من اعتماد الدول على أنظمة وتقنيات أجنبية قد تُستخدم كأدوات تجسس أو اختراق ناعم. وأشارت إلى أن إسرائيل تمكنت من اختراق المجتمع الإيراني عبر تطبيقات اتصالات وتواصل اجتماعي دولية. وهنا تدفع تركيا نحو بناء بدائل تقنية محلية – وهو مسار بدأت فيه فعلًا – مثل منصة التواصل الاجتماعي “Next Sosyal”، ومشروع تطوير نظام محلي لتحديد المواقع بديلاً عن GPS.



لكن تؤكد الدراسة أن ذلك غير كافٍ ما لم يتم تطوير برامج أمنية لاكتشاف ومكافحة التجسس داخل شركات التكنولوجيا الاستراتيجية، وخاصة العاملة في قطاع الصناعات الدفاعية.


 خامسًا: الحماية المدنية ومنظومة الطوارئ

استعرضت الدراسة كيف أن البنية الدفاعية المدنية الإسرائيلية – من ملاجئ عامة، أنظمة إنذار مبكر، وتدريب مجتمعي – ساهمت في تقليل الخسائر البشرية رغم القصف الإيراني. وبهذا تُوصي بتوسيع شبكة الدفاع المدني في تركيا، خاصة في المدن الكبرى، وتحديث البنية التحتية لشبكات الاتصالات، ورفع الجاهزية العامة لحالات الطوارئ.




 سادسًا: ضرورة التكامل الأمني والاستخباراتي

تشدد الدراسة على أهمية وجود تنسيق كامل بين أجهزة الأمن والمخابرات التركية، من المستويات الدنيا حتى القيادة العليا، لبناء شبكة داخلية تمنع الاختراقات، خاصة أن إسرائيل نجحت في جعل الداخل الإيراني بيئة مفتوحة لعملياتها، وهو ما تحذر أنقرة من تكراره.



 سابعًا: سيناريوهات مستقبلية ومسارات لتركيا

في الفصل الأخير، عرضت الدراسة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار العلاقات الأميركية – الإيرانية، وانعكاساتها على المنطقة، مع توجيه توصيات للقيادة التركية حول كيفية التعامل مع كل احتمال: واشارت  إذا كانت إسرائيل تعتمد على قوة ردع هجومية مدعومة بغرب أوروبي أمريكي موحد قوي متقدم ، فعلى تركيا أن تُوازن هذا التفوق ببناء شبكة دفاعية ذكية وتحالفات استراتيجية مرنة تحفظ لها موقعها في خريطة أي صراع متوقع مع إسرائيل.



زر الذهاب إلى الأعلى