
تشهد الساحة السورية تصعيدًا لافتًا يثير تساؤلات حول الأبعاد الإقليمية والدولية لهذا التحرك. فبحسب مصادر دبلوماسية غربية، يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها أعطوا الضوء الأخضر لتركيا لدعم المعارضة السورية المسلحة في هجماتها المتصاعدة ضد قوات النظام السوري. الهدف الظاهري هو الإطاحة بنظام دمشق، الذي لا يزال يمثل نقطة خلاف مع الغرب، وفي الوقت ذاته إضعاف بنية “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويدعمه حزب الله اللبناني.
تركيا في الواجهة: تحركات عسكرية وتصريحات سياسية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واضحًا في تصريحاته، حيث عبر عن أمله في استمرار تقدم المعارضة المسلحة، مشيرًا إلى أن الهدف النهائي لهذه التحركات هو العاصمة دمشق. وقال أردوغان: “إدلب، حماة، حمص، وبالطبع الهدف دمشق… نأمل أن يستمر التقدم دون م
شاكل”.
إلا أن محاولاته السابقة للتقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد باءت بالفشل، حيث أكد عدم تلقيه أي رد إيجابي من الأسد لدعوته إلى لقاء من أجل بحث مستقبل سوريا.
وقال أردوغان اليوم الجمعة “إدلب وحماة وحمص وبالطبع الهدف دمشق.. تقدم المعارضين متواصل. نأمل أن يستمر هذا التقدم من دون وقوع مشاكل”.
وفي سياق حديثه عن العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد -الذي حاول إقامة عملية مصالحة معه برعاية روسيا- أشار أردوغان إلى عدم تلقي “رد إيجابي” منه. وقال أردوغان “قلت له تعال، لنلتقي لمناقشة مستقبل سوريا معا، لكنني لم أتلق أي رد إيجابي من الأسد”.
حسابات دولية معقدة: المعارضة بين الدعم والرفض
على الرغم من الدعم التركي الظاهر، فإن المعارضة السورية المسلحة تواجه واقعًا معقدًا على الأرض. فبينما تستفيد من الغطاء التركي، لا تزال تصنف كمعارضة “ذات طابع إسلامي متشدد” من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، مما يحول دون حصولها على دعم مباشر من هذه الأطراف.
في المقابل، يبرز دور إيران وروسيا كحلفاء للنظام السوري، مما يعقد أي سيناريو للإطاحة السريعة بالنظام. التدخل الإيراني العسكري والدعم الروسي الجوي والميداني يشكلان عائقًا كبيرًا أمام تحقيق أهداف المعارضة.
اجتماع ثلاثي في الدوحة: تنسيق أم مواجهة؟
وسط هذه التطورات، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن وزير الخارجية هاكان فيدان سيجتمع بنظيريه الروسي والإيراني في الدوحة، ضمن إطار صيغة أستانا. الاجتماع المرتقب يعكس أهمية التنسيق بين الدول الثلاث في تحديد مسار الأحداث في سوريا، خاصة مع التصعيد العسكري الذي تشهده مناطق إدلب، حماة، وحمص.
إنجازات المعارضة: تقدم سريع ولكن إلى أين؟
منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، حققت المعارضة السورية تقدمًا ميدانيًا واسعًا، حيث سيطرت على مدينة حلب، ثم محافظة إدلب، وتبعتها مدينة حماة. وبحلول صباح الجمعة، أعلنت سيطرتها على مدينتي الرستن وتلبيسة بمحافظة حمص، في خطوة تعد الأكبر منذ سنوات. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن لهذه الانتصارات أن تترجم إلى تغيير سياسي حقيقي؟
السيناريوهات المستقبلية
التصعيد الحالي قد يتجه إلى أحد السيناريوهات التالية:
- تفاقم المواجهة العسكرية: قد يؤدي التدخل الإيراني والروسي إلى تعطيل تقدم المعارضة، خاصة مع غياب دعم غربي ملموس.
- حل سياسي محدود: يمكن أن تثمر الاجتماعات الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران عن اتفاق يعيد توزيع النفوذ على الأرض دون إسقاط النظام.
- استمرار المعركة الطويلة: تظل احتمالية استمرار النزاع مفتوحة مع تحول سوريا إلى ساحة صراع طويلة الأمد بين القوى الإقليمية والدولية.
الأحداث الأخيرة تشير إلى تحول استراتيجي في المشهد السوري، لكن مصير هذه التحركات يعتمد بشكل كبير على توازن المصالح الدولية والإقليمية. هل ستنجح المعارضة المدعومة من تركيا في تحقيق أهدافها؟ أم أن التدخلات الخارجية ستبقي الوضع على حاله؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة.