الشباب في السويد يفضلون ترك عوائلهم والعيش بمفردهم في عمر 18 عام ؟
يراود حلم الاستقلال عن الأهل الكثير من المراهقين في العالم، لكن في معظم البلدان يدرك الشباب من مواليد الثمانينيات وحتى الآن أن هذا الحلم أصبح نوعا من الترف عليهم الانتظار وقتا طويلا لتحقيقه ، ولكن في السويد هذا الحلم سهل التحقيق بل انه أمر متعارف عليه للجميع في السويد.
في السويد، فإن وضع الشباب يختلف تماما عنه في سائر البلدان الأوروبية، إذ تستقل الغالبية العظمى من الشباب السويدي عن عائلاتهم في سن 18 أو 19 عاما، ليعيشوا في شقة بمفردهم، ولا يضطرون لتقاسم السكن مع أحد أو حتى الإقامة في بيوت الطلبة.
وتقول أيدا ستابرغ، التي تستأجر شقة بمفردها في منطقة فالينغباي على مشارف ستوكهولم منذ أن بلغت 19 عاما، إنها كانت دوما تحلم بالاستقلال عن العائلة. وتسكن ستابرغ في شقة صغيرة مساحتها 30 مترا مربعا، بموجب عقد إيجار طويل الأجل .
وترى ستابرغ أن هناك مزايا عديدة للاستقلال عن العائلة، منها أنها تدرك مدى قدرتها على الاعتناء بنفسها، وأنها تتحكم في حياتها كما يحلو لها، دون التقيد بجداول عائلتها أو شقيقيها. وتحصل على مخصصاتها المالية بنفسها . وتستطيع ممارسة العلاقات العاطفية مع من تريد بخصوصية كاملة
وتشير إحصاءات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) إلى أن أكثر من نصف المنازل في السويد يسكنها شخص بمفرده. وبحسب مكتب الإحصاء السويدي، فإن واحدا من كل خمسة شباب تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 عاما يعيش بمفرده.
بالمقابل تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الشباب في الولايات المتحدة الذين يعيشون في منزل العائلة زادت عن أي وقت مضى. وأشارت دراسة أجريت عام 2019 إلى أن نسبة الشباب في سن 23 عاما الذين يعيشون في منزل العائلة في المملكة المتحدة وصلت إلى 49 في المئة. وفي السويد 86 بالمائة
ولم تتغير هذه النسبة حتى في أوج أزمة السكن في السويد حين عانى سكان المدن الكبرى للعثور على شقق ميسرة التكلفة في ظل نقص المساكن التي تضع الحكومة ضوابط على أسعار إيجارها.
ويقول غانار أندرسون، أستاذ علم السكان بجامعة ستوكهولم: “إن استقلال الشباب عن الأهل له أهمية كبيرة في السويد والبلدان الشمالية”.
وبينما يعد الاعتماد على الأهل أمرا معتادا في سائر البلدان الأوروبية، حتى إن رفضه في دول جنوب أوروبا يعد بمثابة رفض للأهل، فإن السويديين يحرصون على غرس الاعتماد على النفس والاستقلالية في نفس أطفالهم ، وقد يستهجنون بقاء الابن أو الابنة في منزل الأسرة دون استقلالية وارتباط مع الأخر.
ويعلل أندرسون ذلك بأن ثقافة الاستقلالية قد تأصلت في وجدان السويديين منذ قرون عديدة، حين كان المراهقون في المجتمعات الريفية يغادرون منازل الأهل للعمل في حقول أخرى لجلب المال والاعتماد على النفس وعدم تحميل أسرته عناء الإنفاق عليه ، حيث كان الفقر شديد في السويد آنذاك .
وقد ساهمت عوامل عديدة في استمرار هذا العرف في السويد، منها أن الدعم المالي المتنوع الذي يحصل عليه الشباب في السويد يشجعهم على الاستقلال عن عوائلهم ، بفضل برامج وسياسات الرعاية الاجتماعية،و يتيح لهم الحصول على مساكن بأسعار معقولة ورعاية صحية وتعليم دون الاعتماد على الأقارب أو شريك الحياة.
فضلا عن أن معظم الشقق في السويد محدودة المساحة يمكن للشاب استئجارها بمفرده، على عكس البيوت الكبيرة في العواصم العالمية الأخرى التي تشجع الشباب على مشاركة السكن.
هل هو تحرر أم عزلة؟
وبينما يتمتع الشباب السويدي بحرية مالية واجتماعية قد يحسدهم عليها نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، فإن بعض المخاوف قد أثيرت مؤخرا بشأن عواقب الاستقلال عن الأهل في سن مبكرة.
وترى كارين شولز، أمينة سر مؤسسة “مايند” الخيرية للصحة النفسية بالسويد، أن تركيز السويديين على الاستقلال عن الأهل بعد إتمام الدراسة الثانوية، قد يؤذي الشباب غير المهيئين نفسيا للعيش بمفردهم والدخول بتجارب فاشلة وعلاقات عنيفة او تجربة المخدرات والشعور بالاكتئاب ورفض تكوين عائلة او انجاب الاطفال.
ويظل التحدي الأكبر الذي يواجهه هؤلاء الشباب، هو الوحدة العاطفية وعدم وجود شبكة عائلية راسخة في حالة عدم وجود أقارب أو أصدقاء حولهم