
الشابة السورية “مناف حسن” من اللجوء والترحيل في السويد لتصبح قبطان طائرة
اسمي ياف حسن، أبلغ من العمر 22 عاماً، وأنا سورية قدمت إلى السويد عندما كنت في العاشرة من عمري، وبعد قرابة عام استقرت عائلتي هنا. حالياً، أدرس في جامعتين: إحداهما في الهندسة المدنية، والثانية لأصبح قائدة طائرة.
متى قدمتِ إلى السويد؟
قدِمتُ إلى هنا وأنا طفلة صغيرة، وكان التغيير البيئي والاجتماعي كبيراً عليّ. كنا نقيم في قرية صغيرة أغلب سكانها من السويديين، ولم يكن هناك سوى عائلتنا وعائلة سورية أخرى. كان الجو مختلفاً تماماً، من ناحية الطقس والمجتمع، خاصة عندما تأتي مباشرة من سوريا إلى بيئة باردة وغريبة تماماً.
كانت هناك تحديات في البدايات؟
بالطبع، وكان من أصعب ما واجهناه أن كثيرين لا يعلمون أننا كنا نعيش بحالة رفض لجوء لمدة سنة ونصف تقريباً، ثم صدر قرار بترحيلنا لأن عائلتي كانت لديها بصمة في بلغاريا. هذا زاد من صعوبة الرحلة، لأننا لم نكن نعلم إن كنا سنبقى أم سنُرحَّل، مما سبب ضغطاً نفسياً كبيراً عليّ وعلى عائلتي.
ما كان طموحك في تلك الفترة؟
والدتي ووالدي كلاهما يعملان في المجال الطبي، ومنذ طفولتي كنت أطمح للدخول في نفس المجال، فكنت أرى نفسي إما صيدلانية أو طبيبة أسنان، وكان هذا هو المخطط حتى سن السادسة عشرة تقريباً.
متى اتخذتِ القرار بالاتجاه إلى الطيران؟
بعد إتمام المرحلة الثانوية، أخذت سنة راحة وعملت خلالها في شركة مختصة بالكهرباء والمياه، وتحديداً في قسم الأنظمة. هناك، التقيت بصديقة مهندسة، وبدأت أتعرف على بيئة العمل والجانب العملي من التخصص. هذا ما جعلني أختار دراسة الهندسة المدنية. أما الطيران، فكان حلماً بعيداً في ذهني، اعتقدت أنه مستحيل التحقيق.
كيف كانت ردة فعل من حولك على هذا القرار؟
عائلتي كانت داعمة إلى الآن، ولكن والدتي، رغم دعمها، كانت تشعر بقلق كبير. أولاً لأن التخصص بعيد تماماً عن المجال الطبي الذي نعرفه كعائلة، وثانياً لأنه تخصص صعب جداً، خاصة عندما تدرسه في جامعة واحدة، فكيف إذا درست تخصصين في نفس الوقت؟ كما أن الخوف كان موجوداً لديها لأن الطيران مجال محفوف بالمخاطر، لكنها دعمتني عندما رأت أنني جادة ومتفوقة.

ما التحديات التي واجهتها؟
أهم التحديات أنني لم أكن أمتلك قاعدة دراسية قوية كما يمتلكها الشباب الآخرون، وخصوصاً بعد الظروف العائلية الصعبة والحرب التي اندلعت في منطقتنا بعفرين، والتي أدت بي إلى حالة من الاكتئاب أثّرت على دراستي للغة. تعلم اللغة مهم جداً في هذا المجال، وهو متطلب دائم فيه.
ما الذي دفعك للاستمرار رغم هذه الصعوبات؟
كانت من أبرز الدوافع تلك الصورة النمطية التي يحملها المجتمع عن الفتاة أو المرأة، وأنها لا تصلح لهذا النوع من المهن. لكنني أؤمن أننا، كنساء، نمتلك نقاط قوة نابعة من عاطفتنا، تمكننا من القيام بمهام صعبة وجادة، وهذا ما حفزني على الاستمرار. حتى التعليقات السلبية التي تلقيتها كانت دافعاً لي، مثل: “لماذا لا تدرسين شيئاً سهلاً مثل الصيدلة؟” أو “أريد أن أعرف جنسية قائدة الطائرة، فإذا كانت فتاة فلن أركب!”… مثل هذه التعليقات تظهر أن مجتمعنا ما زال بحاجة للتوعية والتغيير، ولكن طالما أن الإنسان يحب ما يفعل، فسيستمر وينجح فيه بغض النظر عن جنسه.
كيف تصبح قائد طائرة في السويد؟
يُعد مجال الطيران من أكثر التخصصات تطلبًا في السويد، إلا أنه متاح لكل من يمتلك الطموح والإرادة والإمكانات الأكاديمية والمادية. لكي تصبح قائد طائرة، تحتاج أولًا إلى شهادة الثانوية العامة، ، إلى جانب اجتياز فحص طبي من الفئة الأولى (Class 1)، وهو شرط أساسي لجميع الطيارين التجاريين.
الخطوة التالية هي التسجيل في إحدى مدارس الطيران المعتمدة في السويد، مثل “OSM Aviation Academy” أو “Scandinavian Aviation Academy”. مدة الدراسة تتراوح بين سنة ونصف إلى سنتين ونصف، بحسب البرنامج والمستوى السابق للطالب. خلال هذه المدة، يمر الطالب بمراحل متعددة تشمل الدراسة النظرية، تدريب الطيران الأساسي، ثم الحصول على رخصة الطيران التجاري CPL، ورخصة الطيران متعدد المحركات، والتدريب على الطيران الآلي.
تكاليف دراسة الطيران في السويد ليست بسيطة، إذ تتراوح بين 400,000 إلى 800,000 كرون سويدي، أي ما يعادل نحو 40,000 إلى 75,000 يورو، وهي غالبًا غير مشمولة بالدعم الحكومي أو القروض الدراسية (CSN)، إلا في بعض البرامج الجامعية مثل برنامج الطيران في جامعة لوند، وبعض المنح الأخرى الذي يُعد من الفرص المجانية النادرة لكن المنافسة عليه شديدة. وبالتالي عليك التقديم في هذه المنح أو العمل والإنفاق على دراسة الطيران
بعد التخرج، يبدأ الطيار عادة كـ “مساعد طيار” (First Officer) في شركات الطيران الإقليمية أو الأوروبية، مثل “SAS” أو “Norwegian”، براتب شهري يتراوح بين 35,000 و45,000 كرون. ومع مرور الوقت واكتساب الخبرة، قد يرتفع الراتب تدريجيًا ليصل إلى 75,000 أو حتى 125,000 كرون شهريًا في بعض الشركات الكبرى.
التحدي الأكبر بعد إنهاء الدراسة هو الحصول على فرصة عمل فعلية، إذ تتطلب أغلب الشركات عددًا معينًا من ساعات الطيران، ما يدفع بعض الخريجين إلى العمل في شركات تدريب، أو السفر إلى دول أخرى لاكتساب الخبرة. لكن بمجرد دخول المجال، يفتح الطيران آفاقًا واسعة من التقدم المهني والدخل المجزي.