مقالات رأي

السويد لم تعد كما كانت!. أصبحت أكثر قسوة وأقل رفاهية في ظل حكومة يمين أضرّت بالجميع!

إن كل من تابع مسار الهجرة إلى السويد خلال العقد الأخير يلحظ أن السويد لم تعد كما كانت في السابق. فالسويد التي كانت تُعرف بسخائها ورفاهها الاجتماعي باتت أكثر صرامة وأقل تسامحاً تجاه المهاجرين وأصحاب الأصول الأجنبية. لم تفقد البلاد تماماً صورتها كواحة للأمان، لكنها تغيّرت في جوهرها، إذ أصبح الخطاب السياسي أكثر حدة، والقوانين أكثر تشدداً، والمجتمع أكثر انقساماً حيال مسألة الاندماج.
لطالما رُوّج لمفهوم الاندماج على أنه يبدأ بالعمل وإتقان اللغة السويدية، لكن هذا المفهوم اتسع مع الوقت ليشمل القبول بالقيم السويدية، ثم تطوّر لاحقاً إلى مطالبة المهاجرين بالتخلي عن بعض ملامح ثقافاتهم الأصلية إذا ما تعارضت مع ما يُعتبر “قيم المجتمع السويدي”. وهكذا تحوّل الاندماج إلى معادلة معقدة بلا نهاية واضحة، يتغير معناها تبعاً للرياح السياسية السائدة.




تحت حكم حكومة يمينية مدعومة من حزب يميني متطرف مثل “ديمقراطيو السويد”، تصاعدت موجة الخطاب العدائي ضد المهاجرين، حتى باتوا في نظر البعض السبب وراء كل خلل اقتصادي أو اجتماعي. في المقابل، ترتفع أصوات سويدية أخرى تذكّر بأن المهاجرين يملأون قطاعات العمل الحيوية، ويساهمون فعلاً في استمرار دولة الرفاه التي تفخر بها السويد.

من بين هؤلاء المهاجرين الشاب الأفغاني فرزان موزافري، الذي وصل إلى البلاد خلال ذروة موجة اللجوء عام 2015. كان في السادسة عشرة من عمره حين وطأت قدماه السويد، البلد الذي رآه آنذاك ملاذاً للحرية والأمان. يقول فرزان إن السويد التي استقبلته بحفاوة تغيرت اليوم، وإنه يشعر بأن نظرة المجتمع تجاه اللاجئين لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات.

الشاب الأفغاني فرزان موزافري،





فرزان ينحدر من أقلية الهزارة المضطهدة في أفغانستان. اضطر إلى مغادرة بلاده وحيداً بعد أن أصبحت حياته في خطر، وسلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر عبر باكستان وإيران وتركيا واليونان قبل أن يصل إلى أوروبا الشمالية. خلال رحلته شاهد الموت أكثر من مرة، فقد أُطلقت النار بالقرب منه عند الحدود، ووقع ضحية للمهربين، كما اضطر إلى ركوب قارب مطاطي صغير في الليل مع عشرات المهاجرين، في تجربة ما زالت تطارده كلما استعاد تفاصيلها.




وعندما وصل إلى السويد شعر كأنه نجا أخيراً، لكن سرعان ما تبدد هذا الشعور عندما واجه واقعاً مختلفاً. فمدينة مالمو التي كان يظنها بداية جديدة بدت له باردة، ليس فقط في طقسها، بل أيضاً في نظرات الناس من حوله. خضع لتحقيق طويل من قبل مصلحة الهجرة وصفه بأنه استجواب قاسٍ يفتقر إلى التعاطف والعدالة. لاحقاً نُقل إلى منطقة ريفية قرب فالينتونا، حيث وجد بيئة أكثر إنسانية، وبدأ يتعلم اللغة ويدرس بجد، عازماً على بناء حياة مستقرة.




بإصرار كبير، أنهى دراسته الأساسية في عامين فقط، وأتقن اللغة السويدية بسرعة لافتة، لكنه عاش فترة من القلق الدائم أثناء انتظار قرار اللجوء. وعندما حصل أخيراً على الإقامة، شعر بالفرح ممزوجاً بالحزن لأن معظم أصدقائه تلقوا قرارات بالرفض. يقول: “كنا خمسة في السكن، أربعة منهم طُلب منهم المغادرة. شعرت كأني فقدت إخوتي”.

رغم صعوبة البداية، واصل فرزان طريقه نحو الاندماج الحقيقي. عمل في منظمة Right by Me التي تساعد الشباب من خلفيات أجنبية على دخول سوق العمل، ثم قرر متابعة دراسته الجامعية. ومع أنه يعيش وحيداً بعيداً عن أسرته التي ما زالت في أفغانستان، إلا أنه يشعر بالانتماء للسويد، مؤكداً أن البلاد أصبحت جزءاً من هويته الجديدة، حتى وإن تغيّرت كثيراً عن صورتها الأولى في ذهنه.




تشير بيانات هيئة الإحصاء السويدية إلى أن من بين 35 ألف طفل وصلوا إلى البلاد بمفردهم عام 2015، لا يزال حوالي 20 ألفاً يعيشون فيها، وأن معظمهم يدرسون أو يعملون اليوم، وهو دليل على نجاحهم في الاندماج رغم العقبات.

لكن هذا الشعور بالاستقرار مهدد من جديد مع اقتراح الحكومة الأخير الذي يتيح إلغاء تصاريح الإقامة الدائمة. بالنسبة إلى فرزان، هذا النوع من المقترحات يزرع الخوف في نفوس المهاجرين، لأنهم يشعرون بأن وجودهم في البلاد لم يعد مضموناً، وأنهم قد يُحاسبون فقط على ملامحهم أو أصولهم.

يقول فرزان إنه لا يكنّ العداء للسويد، بل يرى من حقه أن يعبّر عن رأيه كمواطن يدرس ويعمل ويساهم في المجتمع. ويختم حديثه قائلاً: “أنا أعيش هنا وأحب هذه البلاد، لكن السويد اليوم لم تعد هي السويد التي عرفناها قبل عشر سنوات”.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى