
الديمقراطية السويدية تكشف عن أنيابها لتلتهم معارضيها وتقمع الحريات التي تخالف قيمها!
عندما نتحدث عن الديمقراطية السويدية، غالباً ما يتبادر إلى الأذهان صورة النظام السياسي القائم على المساواة، العدالة، حرية التعبير، وحقوق الإنسان. غير أن الديمقراطية ليست مجرد شعارات وردية أو مثالية مطلقة، بل هي نظام له أسس وحدود، وأحياناً… أنـيـاب.
الحرية ليست مطلقة
المفهوم البسيط للديمقراطية يقول: حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. لكن في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة مثل السويد، هناك بعدٌ آخر أكثر عمقاً:
- أنت كأقلية تملك نفس الحقوق التي تملكها الأغلبية.
- لكن حريتك الفردية قد تُقيد إذا اصطدمت بقيم المجتمع الأكبر أو بما يُعتبر “المصلحة العامة”.
هنا تحديداً تظهر أنياب الديمقراطية.
مثال 1: قضايا الشرف والدين
من حقك كمسلم أن تمارس صلاتك وطقوسك الدينية في السويد بحرية ربما تفوق ما هو متاح في بعض الدول الإسلامية.
لكن هذه الحرية تنكسر فوراً إذا حاولت فرض مفاهيمك الثقافية – مثل التحكم في قرارات ابنتك بشأن جسدها أو حريتها في العلاقات. هنا، تتحرك القوانين السويدية ضدك تحت عنوان:
- قوانين مكافحة جرائم الشرف.
- قوانين حماية الأطفال والنساء من السيطرة الأبوية.
النتيجة؟ قد تواجه السجن أو تُحرم من حق الوصاية على ابنتك. هذا ليس انتهاكاً للديمقراطية، بل هو وجهها الصارم حين تتعارض قناعات فردية مع القيم الجماعية.
مثال 2: اللغة والاندماج – قضية إيناس الحموي
الناشطة السورية-السويدية إيناس الحموي أثارت جدلاً كبيراً حين صرّحت أنها لا ترى ضرورة لإرسال أطفالها للروضة لتعلم السويدية، معتبرة أن الأهم هو ترسيخ اللغة العربية في سن مبكر. من الناحية القانونية، كلامها صحيح:
- التعليم الإلزامي يبدأ من سن المدرسة الأساسية، وليس الروضة.
- لا يوجد نص قانوني يجبر العائلات على إرسال أطفالها للروضة.
لكن تصريحاتها فجّرت هجوماً سياسياً وإعلامياً عنيفاً:
- وزيرة التعليم موهامسون (التي غيرت اسمها من محمد لموهامسون) اعتبرت أن ما قالته الحموي دعوة إلى “العزلة وفشل الاندماج”.
- نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الطاقة إيبا بوش وصفت الفكرة بأنها تقويض لقيم المجتمع.
هنا نرى أنياب الديمقراطية: أنت قانونياً حر، لكن المجتمع السياسي والإعلامي سيوجه لك سيف الانتقاد وربما يضغط لتغيير القوانين مستقبلاً.
مثال 3: حرية الرأي وحدود خطاب الكراهية
في السويد يمكنك أن تنتقد الحكومة، الشرطة، أو حتى العائلة المالكة. لكن إن عبرت عن رأي يُصنّف ضمن خطاب الكراهية (Hets mot folkgrupp)، فإن القانون يتحرك فوراً:
- انتقاد الدين الإسلامي مسموح، لكن التحريض على المسلمين كجماعة جريمة.
- يمكنك رفض المثلية جنسياً كقناعة دينية، لكن لو حولت ذلك إلى خطاب عدائي ضد مجتمع الـ LGBTQ فستُلاحق قضائياً.
هنا تتجلى الأنياب بوضوح: الحرية محمية طالما بقيت ضمن حدود “المقبول اجتماعياً”.
مثال 4:ازدواجية الحماية بين الإسلام ومعاداة السامية
من الأمثلة الأكثر وضوحاً على “أنياب الديمقراطية” في السويد، ما يتعلق بحرية التعبير عندما تتقاطع مع الدين والسياسة:
ريكارد جومشوف، رئيس لجنة العدل في البرلمان السويدي وقيادي في حزب سفاريا ديموكراتنا (SD) المعروف بمواقفه المتشددة ضد الهجرة والإسلام، أدلى مراراً بتصريحات مسيئة بحق المسلمين، بل وصلت إساءاته إلى النبي محمد ﷺ بشكل مباشر.
-
ورغم موجة الغضب التي أثارتها تصريحاته بين المسلمين داخل السويد وخارجها، لم تُوجه إليه أي اتهامات جنائية، بدعوى أن ما قاله يدخل ضمن إطار حرية التعبير.
في المقابل:
-
أي خطاب أو تصريح يُ perceived (يُفسر) على أنه “معاداة للسامية” (antisemitism)، حتى لو كان مرتبطاً بانتقاد سياسات دولة إسرائيل في غزة أو فلسطين، قد يضع صاحبه تحت تهديد تحقيقات جنائية وغرامات وربما سجن.
-
هنا، تتحرك أنياب الديمقراطية بقوة لحماية جماعة أو قضية معينة، بينما تمر الإساءة لدين مثل الإسلام وحرق المصحف في السويد مرور الكرام وتُعتبر مجرد ممارسة لحرية الرأي.
المفارقة
الديمقراطية في السويد تقول:
-
الإساءة إلى الإسلام والمقدسات الإسلامية = حرية تعبير.
-
انتقاد إسرائيل أو التعبير عن الغضب من سياساتها في غزة = قد يُعتبر تحريضاً على الكراهية ومعاداة للسامية.
وهذا المثال يكشف بوضوح أن أنياب الديمقراطية لا تعمل دائماً بنفس الاتجاه، بل تتحرك وفق أولويات وقيم المجتمع والأغلبية السياسية والإعلامية.
مثال 5: أحزاب المهاجرين بين شرعية القانون وأنـيـاب الديمقراطية
عندما أُعلن عن تأسيس حزب نيانس (Nyans) في السويد، قاده أشخاص من خلفيات مهاجرة، وغالبية جمهوره المستهدف من المسلمين. ورغم أن الحزب تأسس بشكل قانوني تام، وسُجل رسمياً كأي حزب سياسي آخر، فإن موجة واسعة من الاتهامات انطلقت ضده منذ اليوم الأول: تم وصفه بأنه “حزب إسلامي متطرف” يسعى إلى أسلمة المجتمع السويدي. وجرى التحذير من أنه حزب ممّول من أجندات خارجية هدفها “تفتيت وحدة المهاجرين” وإقامة غيتوهات سياسية داخل السويد. الإعلام والسياسيون لم يناقشوا برامجه السياسية بشكل جاد، بقدر ما ركزوا على خلفيات مؤسسيه الدينية والثقافية.
المفارقة
حزب نيانس لم يُتهم قضائياً بأي مخالفات، ولم تُثبت بحقه أي قضية تمويل مشبوه أو نشاط غير قانوني، ومع ذلك أصبح محاصراً بالتشويه والوصم، لمجرد أن خلفية مؤسسيه مرتبطة بالمهاجرين والمسلمين. وبغض النظر عن كونه حزب قد يكون غير منظم ويسبب خرق لكتلة المهاجرين وتفتيت أصواتهم كرأي إلا أن أنياب الديمقراطية لم تتركه
وهذا يوضح أن الديمقراطية السويدية تفتح الباب من الناحية القانونية أمام أي مواطن لتأسيس حزب، لكنها في الوقت نفسه قد تُشهر أنيابها عبر السياسة والإعلام لتهميش بعض الأحزاب أو ابتلاعها، إذا اعتُبرت أنها تهدد القيم المهيمنة.
اليوم يتكرر المشهد مع حزب العدالة السويدي (Svenska Rättvisepartiet)، الذي يضم مؤسسين من أصول مهاجرة، من بينهم جمال الحاج، النائب السابق في البرلمان السويدي.
ورغم أنه حزب قانوني جديد ما زال في بداياته، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه قد يواجه نفس العاصفة من الانتقادات والاتهامات، فقط بسبب هوية مؤسسيه وخلفياتهم، قبل حتى أن يتم تقييم سياساته أو برامجه.
الديمقراطية ليست بلا مخالب
في النهاية، الديمقراطية السويدية ليست مجرد حرية وحقوق، بل منظومة قيمية ذات حدود صارمة. قد تمنحك كامل الحق في الاختلاف والاختيار، لكنها في اللحظة التي ترى فيها تهديداً لقيم المجتمع الكبرى، تُظهر أنيابها:
- القانون.
- الإعلام.
- الرأي العام.
وهذا لا يقتصر على السويد وحدها. الديمقراطية في كل مكان لها نفس الطابع: ناعمة في الظاهر، لكنها حادة في العمق حين تُمس ثوابتها.
المقال يعبر عن رأي كاتبه