
الحكومة السويدية تقرر تشديد العقوبات على الرشوة والفساد في القطاع العام السويدي
في تطور لافت يعكس تحوّلًا في الخطاب الرسمي حول نزاهة مؤسسات الدولة، أعلن وزير العدل السويدي غونار سترومر أن الحكومة تسلمت تقريرًا موسعًا يوصي بتشديد العقوبات على جرائم الفساد وسوء استخدام السلطة داخل القطاع العام، وهو ما يشير إلى قلق متزايد من تراجع الشفافية في الإدارة السويدية.
التقرير يقترح استحداث جريمة جديدة تحت اسم “إساءة استخدام الوظيفة العامة”، تُحمّل الموظفين العموميين المسؤولية الجنائية في حال استغلالهم لمواقعهم لتحقيق منافع شخصية أو للإضرار بالآخرين، حتى في الحالات التي لا تكون مرتبطة مباشرة بصلاحياتهم الرسمية. وقد تصل العقوبة في الحالات الجسيمة إلى ست سنوات سجن.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السويدية TT، قال الوزير سترومر إن مواجهة الفساد الإداري باتت أولوية لحماية “أسس الديمقراطية والمجتمع المفتوح”، وهو تصريح يعكس اعترافًا ضمنيًا بوجود ممارسات مشبوهة بدأت تتغلغل داخل أجهزة الدولة، وتمثل خطرًا حقيقيًا على مصداقية الإدارة العامة في السويد.
تآكل الردع القانوني وتكرار الإفلات من العقاب
التقرير ذاته أشار إلى أن العقوبات الحالية على الإخلال بالواجبات الوظيفية غير كافية، إذ تُحال العديد من القضايا إلى المجالس التأديبية داخل المؤسسات، حيث تُكتفى غالبًا بإجراءات داخلية مثل الخصم من الراتب أو إنهاء الخدمة، دون تحريك دعاوى جنائية حقيقية. أما الإدانات القضائية في قضايا الفساد الكبرى فهي نادرة، رغم توفر الإطار القانوني لذلك.
وفي ظل هذه الثغرات، تساءل التقرير عن مدى قدرة النظام الإداري الحالي على ردع التجاوزات، خصوصًا مع تصاعد الحديث عن وجود محسوبيات وشبكات نفوذ داخل مؤسسات الدولة.
عقوبات جديدة لمكافحة الرشوة والإهمال المالي
ولم يقتصر التقرير على إساءة استخدام المنصب، بل أوصى أيضًا بتشديد العقوبات على جرائم الرشوة، واقترح إدخال جريمة جديدة تتعلق بـ”الإهمال في تمويل الفساد”، تستهدف الجهات التي تتعامل بالأموال العامة دون التحقق من مصادرها أو وجهتها، في محاولة لإغلاق المنافذ التي تستغلها شبكات الفساد المالي.
هذه المقترحات تأتي ضمن توجه سياسي من الحكومة لتعزيز المساءلة، وقد تم رفع التقرير للجهات المختصة لمراجعته، على أن تدخل التعديلات الجديدة حيز التنفيذ بداية عام 2027 في حال اعتمادها.
أزمة ثقة وشفافية في مؤسسات الدولة
تصريحات وزير العدل لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الأوسع، إذ تُعد مؤشرًا مقلقًا على فقدان تدريجي للشفافية في واحدة من أكثر الدول التي كانت تصنف ضمن “النموذج النزيه” عالميًا. والاعتراف بوجود ثغرات بنيوية في مواجهة الفساد قد يكون إشارة إلى أزمة أعمق، ربما تخفي خلفها سنوات من التراخي الإداري وغض الطرف عن تجاوزات خطيرة.
وفي ظل هذه التطورات، يظهر سؤال جوهري: هل تصرحيات الوزير والحكومة السويدية محاولة استباقية لإصلاح ما يمكن إصلاحه؟ أم أن السويد تواجه بالفعل منعطفًا في مسار مؤسساتها العامة وسمعتها العالمية في الشفافية والحكم الرشيد؟