قصص المهاجرين واللاجئين

أسيل حسن… نزعت النقاب بقرارها، لكنها ترفض منعه في السويد وتعتبره “ظلماً”

 في إحدى ضواحي ستوكهولم، تجلس أسيل حسن، 26 عاماً، تحت ضوء خافت في مقهى يعجّ بأحاديث الزبائن. تبتسم بثقة وهي تتحدث عن قرارٍ غيّر ملامح حياتها، قرارٍ اتخذته بنفسها، دون ضغطٍ أو خوفٍ أو رغبةٍ في إرضاء أحد.
“ارتديت النقاب بإرادتي، وخلعته بإرادتي أيضاً”، تقول وهي تعبّر بيديها بحماس. لكن رغم أنها اختارت التخلي عن النقاب منذ سنوات، فإنها ترفض بشدة مقترح حزب “المسيحيين الديمقراطيين” في السويد الذي يدعو إلى حظر ارتدائه في الأماكن العامة.
“الحرية الحقيقية هي أن تختار المرأة بنفسها. لا أحد يجب أن يُملي عليها ما تلبس أو ما تخلع”، تؤكد أسيل بحزم.



قرار نابع من الداخل

قبل أن تنتقل إلى السويد، كانت أسيل قد بدأت تُراجع قناعاتها حول النقاب الذي ارتدته لعدة سنوات. “كبرتُ، وبدأت أسأل نفسي: لماذا أُغطي وجهي وجسدي بينما يمكنني أن أكون إنسانة أفضل من الداخل؟”، تقول بابتسامة هادئة.
وتضيف: “الله سيقبلني كما أنا، بالنقاب أو بدونه”.

أسيل حسن، 26 عاماً،

لكن الأمر لم يكن دينيًا فقط، بل جسديًا أيضًا. تروي أسيل أنها كانت تشعر بالاختناق أحيانًا، وتعاني من صداع متكرر بسبب النقاب. “أنا شخص يحب الرقص، والضحك، والجري في الهواء الطلق… من الصعب أن تعيش بهذا الشكل وأنتِ مقيّدة بثوبٍ لا يسمح لك بالتنفس بحرية”، تقول ضاحكة.
ثم تضيف بخفة ظلّ: “حتى الأكل في المطعم كان معركة صغيرة مع القماش!”.




ورغم خلعها للنقاب، ترى أسيل أن محاولة منعه بالقانون تعني نزع حرية أخريات.
“عندما تتحدث عن الحرية، يجب أن تكون الحرية متاحة للجميع. لا يمكن أن أطلب من امرأة خلع النقاب كما لا يمكن أن أفرض عليها ارتداءه”، تقول. لكن في الوقت نفسه، لا تُنكر أسيل أن بعض النساء يُجبرن على ارتداء الحجاب أو النقاب قسرًا، وتعتبر ذلك مأساة حقيقية.
غير أنها ترى أن الحل ليس المنع، بل الدعم والتوعية:
“بدلًا من سنّ قوانين ضد النقاب، لماذا لا نستثمر في حماية النساء من العنف الأسري؟ أو في نشر الوعي عن الاضطهاد القائم على الشرف؟ أو ببساطة، أن نتحدث مع النساء ونسألهن عن حالهن؟”، تتساءل.




أسيل، التي ترتدي اليوم رموزًا فرعونية مثل “عين حورس” و”عنخ” وهي رموز لا يتقبلها المتشددين والملتزمين دينياً، ترى فيها امتدادًا لهويتها المتعددة، تشعر أن النقاش حول النقاب في السويد يُستخدم أحيانًا كأداة سياسية أكثر من كونه نقاشًا اجتماعيًا حقيقيًا.
“حين يقول لك سياسي إنك لستَ مرحبًا هنا، كيف تتوقع أن تندمج في المجتمع؟”، تقول بأسف.
وتضيف: “بدل التركيز على بضعة نساء يرتدين النقاب، لماذا لا نهتم بالجريمة، والبطالة، والاقتصاد؟ هذه هي المشاكل الحقيقية”.

أسيل حسن، 26 عاماً،





لو كان النقاب قد مُنع حين كانت ترتديه، تقول أسيل، لكانت شعرت بالظلم نفسه الذي تشعر به امرأة تُجبر على ارتدائه.
“لا أحد يجب أن يُجبر امرأة على شيء — لا على الحجاب ولا على خلعه”، تقول بحزم. وبينما يستمر الجدل السياسي في البلاد حول “القيم السويدية” و”حرية المرأة”، تظل أسيل حسن مثالًا لامرأةٍ قررت أن تكون حرة على طريقتها — لا تُملي عليها القوانين كيف تكون، ولا تُقيدها التقاليد بما لا تريده. في نهاية الحديث، ترتشف آخر جرعة من قهوتها، وتقول بابتسامة هادئة:
“الحجاب، النقاب، أو من دونهما… في النهاية، ما يهم هو من نحن في الداخل.”



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى