هل فتح القسطنطينية (إسطنبول) فتحًا إسلامي أو احتلال عثماني .. سجال بين دول عربية وإسلامية
في يوم الجمعة، 29 مايو/أيار الماضي، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في واحدة من شرفات قصر “هوبر” الرئاسي، المطلة على مضيق البسفور، يحيي مسيرة بالقوارب خرجت احتفالا بالذكرى 567 لفتح القسطنطينية أو اسطنبول كما تعرف حاليا.
وكانت هذه المسيرة واحدة من أشكال متعددة للاحتفال والاحتفاء بهذه الذكرى، كما كانت شرارة لسجال طال ماهية الذكرى نفسها، واحتلت دار الإفتاء المصرية الجزء الأكبر منه.
وفي السابع من يوليو/حزيران، نشر المركز الإعلامي لدار الإفتاء المصرية بيانا من أكثر من 1800 كلمة، بعنوان “أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده في الداخل وتبرير أطماعه الاستعمارية بالخارج”.
لكن ما جعل دار الإفتاء محل الكثير من الانتقادات هو وصفها في البيان لفتح القسطنطينية بالغزو العثماني، وذلك في فقرة مخصصة لإدانة دعوات تحويل متحف “آيا صوفيا” إلى مسجد مرة أخرى. وهذا ما جعل مشاط ومدونيين عرب وإسلاميين يدخلون في صراع على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الطرفين ؟
وجاء في البيان نصا “بُنيت آيا صوفيا ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد.”
ووُجهت الكثير من الانتقادات لدار الإفتاء المصرية، كونها جهة دينية إسلامية تصف واحدة من أهم الفتوحات الإسلامية التي بشر بها النبي محمد بالغزو، بغية اتخاذ موقف سياسي يتماهى مع سياسات مصر ضد تركيا…وكون أن الدولتين مصر وتركيا ذات ثقل كبير في العالم الإسلامي ، كان لهذا الصراع اتساع بين المؤيدين لكل الطرفين
وانتقد الدكتور علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بيان دار الإفتاء المصرية، وقال إنه “انحدار وانحطاط خطير، وفجور في الخصومة، ووصمة عار في جبين دار الإفتاء”.
“مزيد من الفتوحات”
وطال السجال المؤسسة الدينية التركية، إذ نشر رئيس الشؤون الدينية في تركيا، الدكتور علي أرباش، بيانا في تغريدة الثلاثاء 9 يونيو/حزيران، انتقد فيه موقف دار الإفتاء المصرية ووصفه بأنه “لا يليق بعقيدة المسلم ولا الأخلاق الإسلامية، وإنه ليندى الجبين ويحير العقول ويزيف الحقائق التاريخية.”
كما قال أرباش إن “وصف دار الإفتاء المصرية فتح القسطنطينية بالاحتلال العثماني مؤسف وقبيح ومخالف للمعتقدات والأخلاق الإسلامية والحقائق التاريخية”.
ولم يأت بيان أرباش على ذكر أي من التحليلات والاتهامات التي وجهها بيان دار الإفتاء المصرية للرئيس التركي. وانصب على توضيح مكانة محمد الفاتح وفتح القسطنطينية في التاريخ والعقيدة الإسلامية.
وكان شعف الرئيس التركي بإحياء ذكرى فتح القسطنطينية واضحا، إذ قال في كلمة إنه “في الذكرى 600 لفتح اسطنبول، التي توافق عام 2053، سنترك لشبابنا إن شاء الله تركيا تليق بعظمة أجدادهم وبالسلطان محمد الفاتح”.
ونظم الاتحاد التركي للأشرعة مسيرة البسفور – التي مرت أمام أردوغان لتحيته – من ثلاثين قاربا، زُينوا بالأعلام والرايات التركية. وقال أردوغان في كلمته لاحقا إنه يجب إحياء هذه الذكرى “بتلاوة سورة الفتح في مزار آيا صوفيا”.
واعتبر أردوغان في كلمته أن فتح القسطنطينية رمزا “للإعمار والنهوض والعدل والمحبة”، ودعا أن “يمنح الله الشعب التركي مزيدا من الفتوحات والانتصارات والنجاحات”.
وفي نفس اليوم، أبحرت سفينة التنقيب التركية “فاتح” لتبدأ عملها في البحر الأسود في يوليو/تموز. كما أُعلن تجهيز سفينة تنقيب أخرى، وهي سفينة “القانوني”، لبدء عملها في البحر المتوسط. الأولى تحمل اسم السطان العثماني محمد الفاتح، والثانية تحمل اسم السلطان سليمان القانوني. وهو ما اعتبره البعض ربطا صريحا بين الدولة العثمانية وحكومة أردوغان.
لا صلة بمحمد الفاتح
وفي الثامن من يونيو/حزيران، نشرت صفحة دار الإفتاء المصرية على فيسبوك منشورا، أكدت فيه على موقفها من أردوغان و “استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده.”
لكنها تراجعت عن وصف فتح القسطنطينية بالغزو، وذكر المنشور إنه “فتح إسلامي عظيم بشر به النبي، وتم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح. أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح.”